وجه المحامي محمد زيان شكاية إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض بالرباط في مواجهة نائب الوكيل العام للملك بالدار البيضاء، يدعي فيها أن موكله الصحافي توفيق بوعشرين يتعرض لمعاملة مهينة وقاسية تهدف إلى التأثير على سلوكه.
إن المحامي زيان لا يشتكي من السجن أو من حراسه، ولكنه يشتكي من زملائه في المهنة الذين يرافعون لفائدة المشتكيات بتوفيق بوعشرين، بحيث يتهمهم بالتطاول على موكله، وبتحقيره بشكل متكرر، بل يتهمهم أيضا بالصراخ والسخرية. ويتخوف زيان من مصيره كمدافع عن موكله؛ فيتهم زملاءه بأن الهدف من مرافعاتهم هو خلق إحساس لدى توفيق بوعشرين بأنه لا جدوى من دفاعه. وبخصوص نائب الملك السيد جمال الزنوري، فإن محمد زيان يتهمه بالسكوت بما معناه، حسب تفسير زيان، الموافقة على مرافعة المدافعين عن المشتكيات.
والغريب في هذه الشكاية المطولة أنها تتحدث عن صراخ وسخرية الآخرين، في حين تغض الطرف عن صراخ وعويل محمد زيان، علما أن المغاربة الذين يتتبعون وقائع هذا المسلسل الطويل، يشهدون جميعا أن الصارخ والغاضب والساخر الأكبر، كان دوما هو المحامي محمد زيان، الذي لا يستحي من النطق بعبارات مخلة بالحياء العام في تصريحاته الصحفية، وما أكثرها، ويكفي لقارئ هذه السطور أن يقوم ببحث صغير على الإنترنت ليجد أن عشرات الفيديوهات، لا تحمل سوى صراخ محمد زيان، بينما تبدو تصريحات زملائه أكثر هدوء وثباتا.
أما موضوع السخرية التي يتحدث عنها المحامي زيان، فهو ينسى أن قاعة المحكمة تحولت بسبب الممارسات المصورة في الفيديوهات المعروضة إلى قاعة سينمائية، بحكم ضرورة المهنة، وبينما يحاول المحامون والمحاميات تغليب عقولهم واستحضار الجدية، وهم يتتبعون هذه الفيديوهات، يسارع محمد زيان إلى تحويل الجلسة إلى حلقة من حلقات جامع الفنا، بتعليقاته وقهقهاته، ونكته وتهكمه المثير للجدل، فثارة يقول إن هذه ليست مؤخرة بوعشرين وثارة يقول إن تلك ليست مؤخرة هذه الصحفية أو تلك، وكأنه أصبح عارفا بعالم المؤخرات قياسا ووزنا، خاصة حين صرخ بأعلى صوته “واش “مؤخرة” بوعشرين فيها طن ونصف..”، علما أنه استخدم الكلام الدارجي لوصف مؤخرة الضنين.
وحين يدعي الأستاذ زيان بأن مرافعات زملائه وصمت نائب وكيل الملك هدفهما هو التأثير على سلوكه النفسي، فإن الهدف من مثل هذه الأقوال هو إيجاد مطية للركوب عليها قصد تبرير تصرفاته الأخيرة، حين عمد إلى احتقار أحد أعضاء هيئة المرافعة الذي لم يتأخر في تقديم دعوى في الموضوع.
فزيان هذا، أخرج من فمه أكثر من عبارة خادشة للحياء وسب وشتم كيفما شاء، وأزبد وأرعد في حضرة المحكمة، وصار يكرم من يشاء ويذل من يشاء دون أن يجعل على نفسه حسيبا أو يؤمن بأن القانون عليه رقيبا.
زيان، أصابه ما أصابه في خريف عمره “ونحن لا نتحدث عن الخرف ولكن للعمر إكراهات”، فبات يخلط بين المحاماة والسياسة، وصارت المحكمة بالنسبة إليه قاعة مناظرة سياسية أو برلمانا للمنتخبين، فتسلح بلغة “البوليميك”، لعله يحقق بالبذلة السوداء مجدا سياسيا لم يحققه بالحزب الديموقراطي الليبرالي الذي أسسه ذات يوم.
لكن المحامي المعروف والزعيم السياسي المزعوم، وبعد أن فشلت مسرحياته المثيرة للسخرية في تحريف محاكمة موكله توفيق بوعشرين عن سياقها ومجراها الطبيعيين، وبعد أن أيقن، وهو المحامي المخضرم، بأن نتائج الخبرة التقنية قد قطعت الشك باليقين، ونقلت ما كان موضع شبهة إلى موضع الحقيقة التي لا غبار عليها، وبعد أن أحس أن السجين بوعشرين تلقى المعاملة الملائمة داخل السجن وفق ما تقتضيه حقوق السجين وقوانين السجن، وبعد أن سمع بأذنيه ما قالته زوجة توفيق بوعشرين وهي تصف معاملة رجال الأمن لها بكونها جد لبقة وجد محترمة، اختار لعبة الصعود إلى الشجرة بعد أن أتعبه اللف والدوران، فقرر مقاضاة هيئة دفاع المطالبات بالحق المدني من خلال تقديمه شكاية للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بالرباط، وكأنه يسعى ليكون وحده من يرافع في قضية الصحافي المتهم بالاغتصاب الجنسي.
غريب أمر هذا المحامي الفريد من نوعه، أن يرى في مرافعات زملائه المدافعين عن كرامة نساء أهانهن المتهم، وأذل كرامتهن في سوق نخاسة الجنس مقابل العمل، إهانة لموكله توفيق بوعشرين. والأغرب من ذلك أن يتهم زيان القاضي وباقي مكونات هيئة المحكمة بالتزام الصمت أمام ما يتعرض له “زبونه” من معاملات “لا إنسانية” على حد تعبير هذا المحامي المثير للجدل.
لو أردنا أن نلوم المحكمة ونعاتب السيد نائب وكيل الملك المذكور في الشكاية، لكانت شكايتنا هي كيف يسمح لمحمد زيان بخدش وقار المحكمة، وهيئة القضاء والدفاع، خاصة وأنه من حق المشتكيات المطالبة باحترام مشاعرهن كما من حق هيئة القضاء إلزام المحامي باحترام الوقار.