عبد الرحمان شحشي
في المغرب ظاهرة خطيرة هي تداول مجموعة من المفاهيم وترديدها والتسويق لها دون تحديد دلالتها وأبعادها.
في هذا الإطار، نميز بين مجموعة من المفاهيم الوافدة على المغرب من الشرق والغرب، كالقومية والسلفية والوهابية والماركسية والليبرالية، وبين مجموعة من المفاهيم التي يصنعها النظام ويروج لها بنفسه عبر الخطاب الرسمي، كالمفهوم الجديد للسلطة.
ومن بين المفاهيم الغربية الأكثر استهلاكا اليوم في الساحة الوطنية مفهوم "المجتمع المدني"، حيث أصبح الجميع يتحدث عن "المجتمع المدني" وبأنه جزء لا يتجزأ منه، وهو غير واع بالمفهوم وأصوله وأدواره التاريخية.
وبالرجوع إلى الكتابات التأصيلية في هذا الباب، وبالخصوص كتابات "أنطونيو غرامشي" (Les cahiers de prisons)، ليشعر المرء بالخجل حين يرى ويسمع تشدق وتطاول بعض الانتهازيين وتعسفهم في استعمال مفهوم "المجتمع المدني" بالمغرب كشعار لتحقيق مآربهم الشخصية في تقرب فاضح من السلطة السياسية، في حين إن فكرة المجتمع المدني في صيرورتها التاريخية تعني خدمة الصالح العام من خلال أعمال تطوعية وباستقلالية تامة عن السلطة السياسية.
وفي هذا الباب، نشير كذلك إلى الكتاب القَيّم والمؤسس تحت عنوان "المجتمع المدني–التاريخ النقدي للفكرة"، للكاتب "جون إهرنبرغ "، ترجمة: علي حاكم صالح وحسن ناظم، (الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، سنة 2008)، وفيه متابعة نظرية تحليلية لتاريخ مفهوم المجتمع المدني ولتأثيراته في الفكر السياسي الغربي خلال ألفين ونصف الألف من السنين، منذ أرسطو، مروراً بفلاسفة عصر التنوير وماركس، وتوكفيل.
إنّ المؤلف يعرض فيه ما يمكن لهذا المفهوم، ذي الأهمية المتزايدة، أن يقدمه للشؤون السياسية المعاصرة، كما يعرض فيه حدود هذا الإمكان، وذلك في تحليل متين، يلقي الضوء، قوياً، على تطوّر مفهوم المجتمع المدني.
إنّ إهرنبرغ يضع أشكال فهم المجتمع المدني في سياق العلاقات المتغيّرة، تاريخياً، بين الدولة والاقتصاد والمجتمع، وبذلك يساعد على فهم نواحي الغموض والتناقضات التي تحوِّل هذا المصطلح إلى لغز.
وللإشارة فجون إهرنبرغ هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة لونغ آيلند في أمريكا، ناشط في الحقوق المدنية ومناهضة الحروب، له كتابات كثيرة في الماركسية والفكر الديمقراطي وتاريخ النظرية السياسية.
ومن هذا المنبر، أضم صوتي الى أصوات الباحثين المغاربة الرافضين لتمييع مفهوم المجتمع المدني وبلقنة المشهد المجتمعي، حيث سعى النظام بعد إفراغ الأحزاب السياسية من محتواها وتمريغ تاريخها النضالي إلى تفريخ أكثر من 130.000 جمعية سنة 2016، حسب تقرير رسمي.
وأمام هذا الفائض من الجمعيات، هل نحن أحسن من فرنسا، على حد تعبير مسؤول حكومي مغربي، التي لا يتجاوز عدد الجمعيات بها 1749 جمعية سنة 2012؟