"كفى من استحمار الناس، كفى من التلاعب بضعف وعيهم وقلة اطلاعهم، كفى من استغلال حالة التخلف والانحطاط لتعليق الناس بأوهام وخرافات وأكل أموالهم بالباطل...
مضى الزمن الذي كنا نحفظ فيه " الصارم البتار في التصدي للسحرة والأشرار" و " وقاية الإنسان من الجان والشيطان" عن ظهر قلب، ونتلهف على قراءة " حوار مع جني مسلم" مصدقين بكل سذاجة صحة الحوار، نعتقد أن عرش الشيطان تحت الماء، وأنه ذلك بمثلت برمودا حيث تسقط الطائرات وتغرق السفن..
مضى زمن كان وحيد عبد السلام بالي المنظر الأول لأبواب الجن والسحر والرقية، يحذرنا من إهراق الماء الساخن بالبالوعة خوفا من تأذي الجن وتسلطهم عليك، مع أن أصل الجان من نار.. يأمرنا بقراءة أذكار الصباح والمساء وملازمة كتيب " حصن المسلم" ،ليس لترقية الروح ولا لتزكيتها، ولكن تحصنا من مس الجان... يوصينا بقراءة سورتي البقرة وآل عمران و تشغيلهما بصوت سعد الغامدي لحماية بيوتنا من شررة الجن... يقدم لنا وصفات من السانوج والعسل وتمر العجوة وماء السدر لتدفع عنا شرور السحر والمس وكل أذى من العالم الآخر... يرسلنا إلى "الراقي" ليتمتم على الماء بآية الكرسي والمعوذتين و آية: ولا يفلح الساحر حيث أتى، بعد أن يبصق على الماء سبع بصقات من فمه الذي لا ندري إن كان نظيفا أو وسخا.... يخبرنا أن المس انواع والجان أصناف والسحر أشكال... نرى بأعيننا المريض يتعرض للسلخ والضرب والصعق الكهربائي فلا يحركنا ذلك شعرة حتى لو كان قريبا لنا، لأننا مقتنعون أن الجني هو من يتعرض للضرب والأذى... نصدق بسخافة أن الجني امتثل لصياح الراقي بصوته الخشن: أخرج عدو الله.. فنراه أو يخيل لنا يغادر جسم المريض من إصبعه الصغير... يحدثنا عن الجني الذي كان كافرا فأسلم بدعوة الراقي، وعن الجني النصراني والجني اليهودي والجني الملحد، بل عن ذلك الذي اسلم فتحول إلى خادم للراقي يأتيه بخبر فلانة التي سحرت لفلان، وال فلان الذين رشوا السحر أمام بيت فلان...
تخيلوا أننا كنا نصدق كل هذه الخرافات، ونصدق أن الراقي اوتي بسطة من العلم في هذا الباب، وأنه بفعله عالج أقواما من الناس..ويصيبنا الخوف ونحن نهرق الماء الساخن من أن نؤذي شمهروش أو عيشة أو أحد من إخوانهما....
وإن كان الغريب أنه في زمن انتشار المعرفة، وسرعة وصول المعلومة، وسيطرة وسائل التواصل على حياة الناس، لا زال فينا من يؤمن أن جنيا قد تلبس به، وأنه لإخراجه يحتاج لماء قرأ عليه الراقي ب 100 درهم لللتر، و 500 درهم ل 5 لتر، ليتخلص من كوابيس الليل التي يرى فيها وكأنه يرمي نفسه من السطح..... مقرف"