ابركان موسى
عاشوراء ليست مشتقة من عشرة ولا من العاشر من محرم أومن أي شهر آخر.
عاشوراء ترجمة إلى العربية لعلم مؤنث هو (عشتار| (ISHTAR، الهة الجمال والحب والخصوبة عند البابليين. وهي كلمة من أصل فارسي تعني النجمة أو النجمة اللامعة، وترتبط هذه الالهة بكوكب الزهرة كما هو الشأن عند الرومان حيث سميت الهة الحب باسم كوكب الزهرة ( فينوس| (VENUS.
أثناء فترة السبي البابلي، عاش اليهود في بلاد الرافدين وتعلموا من البابليين معارفهم ومعتقداتهم الدينية وقصص آلهتهم ومنها الاله مردوخ والإلهة عشتار.
ورغبة منهم للتوفر على قصص مماثلة، واعتبارا لعقيدتهم التوحيدية ألف اليهود سفر (عشتار| (ESHTER. ، اختاروا أسماء الآلهة لأبطال قصتهم وأضافوها الى كتبابهم المقدس.
ملخص الأسطورة اليهودية: عشتار فتاة يهودية يتيمة ذكية وشجاعة وجميلة، تعيش مع خالها مردوخ الرجل الصالح الذي يحظى باحترام وتقدير الطائفة اليهودية وعموم الشعب في عاصمة الملك الفارسي أسيروس الذي يمتد نفوذه من الحبشة الى الهند.
وحدث مرة أن زوجته الملكة “فاشتي” انتهكت التقاليد والبروتوكول برفضها الذهاب إلى مأدبة عمومية فتم طردها من القصر وأقيمت بعد ذلك مباراة لاختيار ملكة للجمال سيختارها الملك نفسه ويتزوجها ويجعلها ملكة. طبعا وقع الاختيار على عشتار.
هامان كان هو الوزير القوي وحصل على تفويض لإصدار وختم المراسيم باسم الملك. وكان يحقد على مردوخ بسبب سمعته ولرفضه الخضوع لجبروت الوزير. ولشدة حقده، وليتخلص من الرجل يقينا، أصدر مرسوما باسم الملك لقتل جميع اليهود في جميع الأقاليم ذكورا واناثا، كبارا وصغارا في يوم واحد تم اختياره بسحب القرعة وهو 13 آذار.
المعنى إبادة اليهود جميعا في يوم واحد، لكن عشتار أنقذت شعبها وتم تفادي المجزرة وصامت ذلك اليوم وأمرت شعبها اليهودي بصوم 13 آذار الذي أصبح يعرف بيوم عشتار وصومه بصوم عشتار.
(Jour d’Esther – Jeune d’Hester) الصورة من موقع Wikipédia
إنها عاشوراء اليهود التي نقلها عنهم المسلمون. كيف ذلك؟
لقد ورثنا عن العرب المسلمين التقويم الهجري الذي أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب في منتصف العقد الثاني بعد هجرة الرسول الى المدينة. ويتميز عن غيره من التقاويم بدَوَران شهوره في فصول السنة، فيكون شهر ما في البرد القارس ثم يأتي بعد أمد في زمن القيظ.
إلا أن الأمر يختلف أثناء العقد الأول بعد الهجرة فقد كانت الشهور ثابتة في مواسمها.
ويدل على ذلك تحديدا ما ورد في السيرة وكتب الحديث حول صيام المسلمين ليوم عاشوراء بانتظام مع يهود المدينة في صدر الإسلام. لذلك، فإن شهر المحرم، الذي يشمل عاشوراء، يقابله بالضرورة نفس الشهر العبري الذي يحتفل فيه اليهود بعاشورائهم.
ويصوم اليهود سبعة أيام وهي:
– يوم الغفران في 10 تشري. (شتنبر/أكتوبر)
– 4 أيام تخلد نكبة تدمير القدس والهيكل: 3 تشري و10 تافيت (دجنبر/يناير) و17 تموز (يونيو / يوليوز) و9 آب (يوليوز / غشت).
– 13 آذار (فبراير / مارس) وهو يوم عشتار ويخلد نجاة بني اسرائيل من هامان.
– 14 نيسان (مارس / أبريل) وهو اليوم السابق لعيد الفصح ويخلد نجاة بني اسرائيل من فرعون.
والروايات الإسلامية حول الموضوع تتحدث عن نجاة اليهود مما يجعل يوم عاشوراء الذي نقله الإسلام عن اليهود هو إما اليوم السابق عيد الفصح وإما يوم عشتار. وبما أن الأمر لا يتعلق باليوم العاشر من بداية الشهر في الاحتمالين، فإن المرجح أن يوم عاشوراء المسلمين هو يوم عشتار نظرا للتشابه الكبير في الحروف وتطابق الجنس فعاشوراء صيغة مؤنثة وعشتار اسم علم أنثى.
أضف الى ذلك أن صوم اليوم السابق للفصح لا يهم سوى الابن الذكر البكر لكل عائلة وهذا سبب كاف لترك هذا الاحتمال.
وفي التقاليد اليهودية يتم تدريب الأطفال على الصيام في يوم عشتار. وهو ما نجده أيضا في عاشوراء عند المسلمين. قال البخاري نقلا عن الإخباريين: ” ( ) فكنا بعد ذلك نصومه (يوم عاشوراء) ونصّوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على طعام أعطيناها إياه عند الإفطار”
أكثر من مؤشر إذن يدل على أن يوم عاشوراء الذي وجد المسلمون اليهود يصومونه هو يوم (عشتار| (ESHTER. وبالتالي فإن عاشوراء هي الترجمة إلى العربية لاسم الملكة اليهودية عشتار مثلما تم ترجمة اسم المسيح من يسوع الى عيسى.
وبناء عليه، واعتبارا لحفظ الذاكرة الإسلامية ليوم عاشوراء في شهر المحرم فإن شهر آذار هو الشهر العبري الذي كان يوافق المحرم في صدر الإسلام. وبعد انشاء التقويم العربي الهجري وفك الارتباط باليهود وتقويمهم جعل المسلمون عاشوراء في اليوم العاشر من محرم.
لن أقف عند هذا الحد لأني أريد أن أستعرض ما وقَفْتُ عليه من أحداث تاريخية تمت الإشارة الى موسم حدوثها في المصنف التاريخي [البداية والنهاية] لابن كثير. ورغم قلة هكذا أحداث، فإنها ستقربنا من فهم التقويم المستعمل في بدايات الإسلام واختبار ما استنتجته عن اقتران المحرم بشهر آذار في التقويم العبري.
غزوة بدر: كانت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة. علي بن أبي طالب كان ممن حضر الحدث وصنع النصر، روى هذا التفصيل: ” ثم إنه أصابنا من الليل -يعني ليلة بدر- طش من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر”. هذا المعطى لن يفدينا كثيرا خاصة وان هطول المطر قد يحدث في مجال زمني طويل يمتد ما بين أكتوبر وماي.
غزوة أحد: الا ان معطيات أخرى حول معركة أحد والتي وقعت في شوال من السنة الموالية أي الثالثة للهجرة تفيد ان المعركة حصلت في فصل الشتاء. وشوال يأتي بعد رمضان مباشرة، وبناء عليه فان معركة بدر حصلت في نهاية الخريف او في الشتاء.
وخصص مؤلف البداية والنهاية فصلاً سماه “فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار” ذكر فيه قول الشاعر (هبيرة بن أبي وهب المخزومي)، في قصيدة يفتخر فيها بانتصار قومه قريش على المسلمين يوم أحد، ويذكر مسيره الى المعركة في ليلة شاتية قارسة:
وليلةٍ من جمادى ذات أندية ** جربا جماديه قد بتُّ أسريها
لا ينبحُ الكلب فيها غيرَ واحدةٍ ** من القَريس ولا تسري أفاعيها
ومعلوم ان معركة أحد كانت في شهر شوال وليس في جمادى، الا ان العرب كانت تطلق اسم جمادى على ازمنة البرد والشتاء، وليلةٍ جماديه تعني ليلة من فصل الشتاء.
غزوة الخندق او الاحزاب: وفي شوال من السنة الخامسة خرجت قريش وحلفاؤها في أكثر من عشرة الاف مقاتل نحو المدينة وهدفهم استئصال النبي محمد ومن معه. وتلك هي غزوة الأحزاب وسميت كذلك لكثرة القبائل التي شاركت فيها، ورغم ذلك لم تنتصر الأحزاب لثلاثة أسباب:
حفر المسلمون خندقا حول منفذ المدينة من الشمال فعجز الغزاة عن دخولها. ولا يوجد منفذ آخر غير المرور من حصون وديار بني قريظة التي التزمت الحياد في هذا الصراع. اما باقي الجهات فهي محصنة بالجبال.
لم تنجح قريش وحلفاؤها في استمالة يهود بني قريظة للانضمام الى الحلف.
لم يستطع الحلفاء مواصلة الحصار بسبب البرد القارس الذي أنهكهم وأهلك خيلهم وإبلهم.
حذيفة بن اليمان صحابي شاهد عيان كان مع رسول الله بالخندق وتكَلّف بالتجسس على معسكر العدو، ونقل عنه الرواة عدة روايات منها قوله: «ثم التفت(النبي) إلينا (حذيفة ومن معه) فقال (النبي): [هل من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟]، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: [يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا]. فذهبت فدخلت في القوم، () ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف (الخيل والإبل)، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل”.
وفي رواية أخرى يقول بعد رجوعه من معسكر العدو: “فرجعت إلى رسول الله ﷺ وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف (أرتعد من شدة البرد)، فأومأ إلي رسول الله ﷺ بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل عليّ شملته، ()”
فغزوة الأحزاب وقعت إذاً في فصل الشتاء.
غزوة تبوك: وفي شهر رجب من السنة التاسعة خرج النبي (ص) في ثلاثين ألف مقاتل لغزوة تبوك التي أرخ القرآن لتزامنها مع اوج الصيف في الآية 81 من سورة التوبة: [وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون] وروى أصحاب الحديث ” أن رسول الله أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم”.
ويذكر مرجعنا بخصوص حصار وفتح دمشق:
” ثم مضى المسلمون إلى دمشق فنزلوا عليها في رجب سنة ثلاث عشرة. ”
“حاصرهم أبو عبيدة في رجب وشعبان ورمضان وشوال، وتم الصلح في ذي القعدة.”
” فلما أيقن أهل دمشق أنه لا يصل إليهم مدد أبلسوا وفشلوا وضعفوا، وقوي المسلمون واشتد حصارهم، وجاء فصل الشتاء واشتد البرد وعسر الحال وعسر القتال، ()”
وفي هذا دليل أن شهر شوال كان تلك السنة من أشهر الشتاء كما كان قبل عشر سنوات في غزوة أحد.
وينطبق الشيء نفسه بخصوص حصار وفتح حمص:
“وفي سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحا على يدي أبي عبيدة في ذي القعدة.”
“لما وصل أبو عبيدة في أتباعه الروم المنهزمين إلى حمص، نزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصارا شديدا، وذلك في زمن البرد الشديد، وصابر أهل البلد رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد، وصبر الصحابة صبرا عظيما بحيث إنه ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع، وقد سقطت رجله وهي في الخف، والصحابة ليس في أرجلهم شيء سوى النعال، ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا أصبع أيضا، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار.”
من جهة أخرى تذكر مصادر غربية أن سقوط حمص كان في يناير سنة 636 م.
معركة اليرموك: المصادر الإسلامية تشير أن المعركة وقعت في 5 رجب من السنة الخامسة عشرة. ووردت في مصادر تاريخية غربية أنها حصلت في 20 غشت سنة 636 ميلادية. فموقع رجب في أوج الحر لم يتغير بعد ست سنوات من غزوة تبوك.
ويتضح جليا أن الشهور كانت ثابتة في مواسمها ما بين الهجرة النبوية والسنة الخامسة عشرة فكان رجب من أشهر الصيف وشوال من أشهر الشتاء.
وفي صدر الإسلام، لم يكن المناخ ليختلف كثيرا عما آل اليه الحال في زماننا.
وحسب المعطيات المناخية الحديثة فان مناخ المدينة المنورة (حيث كانت مواقع بدر وأحد والأحزاب ومنها كان الخروج الى تبوك) صحراوي يتميز بالجفاف وقلة سقوط الأمطار. ويكون الجو حارا جدا ما بين يونيو وشتنبر حيث يتجاوز معدل الحرارة القصوى 40°، أما في أشهر دجنبر ويناير وفبراير فيكون الجو باردا اثناء الليل وتنزل الحرارة أحيانا لتلامس الصفر. والتساقطات المطرية قليلة لا تتجاوز 50 مم سنويا تهطل في بضعة أيام ما بين أكتوبر وماي.
ويكون المناخ أقل حرارة وأكثر رطوبة كلما اتجهنا شمالاً نحو دمشق وحمص إلا أن مواسم الحر والبرد لا تتغير.
فبين رجب (صيف) وشوال (شتاء) شهران هما شعبان ورمضان.
وبين نهاية الصيف وبداية الشتاء شهران أيضا وهما أكتوبر ونونبر.
الأمر واضح وجلي فشعبان ورمضان كانا شهرين ثابتين في فصل الخريف والتقويم المعمول به كان يعتمد الكبس بكل تأكيد.
وإذا استحضرنا التقويم العبري وترتيب الشهور عند العرب واليهود وقلنا باقتران المحرم بآذار فإن:
– رجب هو شهر أيلول ويوافق غشت وشتنبر.
– شعبان هو شهر تشري ويوافق شتنبر وأكتوبر.
– رمضان هو شهر حشلاف ويوافق أكتوبر ونونبر.
– شوال هو شهر كسلو ويوافق نونبر ودجنبر.
وهذا برهان إضافي على افتراضنا لأن شعبان ورمضان من أشهر الخريف فعلا وقبلهما رجب في الصيف وبعدهما شوال في بداية الشتاء.
وبعد، فقراءتي لموضوع التقويم العربي تتلخص في توازيه مع التقويم العبري في بداية الإسلام وتوافُق المحرم مع شهر آذار. وفي السنة الكبيسة يضيف اليهود شهرا بين آذار ونيسان ويسمونه “في آذار” وكان المسلمون الأوائل يفعلون نفس الشيء وفي نفس الوقت ويضيفون شهر النسئ بين المحرم وصفر ويسمونه صفر الأول.
ويذكر جل المهتمين بالتقويم الهجري معركة اليرموك لأنها مؤرخة ومتطابقة في المصادر الغربية والإسلامية. (20 غشت سنة 636م |5 رجب سنة 15هجرية).
وباستعمالنا لإحدى البرامج لتحويل التواريخ فإن 20 غشت 636م توافق بالتقويم العربي الهجري (الحالي) 12 رجب سنة 15 وبالتقويم العبري 12 أيلول سنة 4396.
إذن هناك تطابق في تاريخ المعركة (الفرق بين 5 و12 رجب هو فرق بسيط وربما أرخ المسلمون لبداية المعركة والغربيون لنهايتها)، وهذا يعني أن التقويم الهجري الذي نعرف أصبح معمولا به منذ السنة الخامسة عشرة على الأقل.
من جهة أخرى فإن تطابق رجب مع شهر أيلول في معركة اليرموك يوافق رؤيتنا للتقويم العربي في بداية الإسلام وفي ذلك دليل على توازي التقويم العربي مع تقويم اليهود واستمراره الى غاية السنة 15 للهجرة.
التفسير المنطقي هو أن العرب ألغوا النسئ بعد السنة 15 مباشرة. ويتعلق الأمر غالبا بفترة انشاء التقويم الهجري. والسنتان السابقة واللاحقة في التقويم العبري 4395 و4396 كانتا كبيستين. أما في التقويم العربي فكانت السنة السابقة (14) سنة كبيسة فيها النسئ والسنة اللاحقة (16) وكل السنوات بعدها عادية من 12 شهرا قمريا.