رفقة "الجنون" والقمر !
تحكم عليك مهنة الصحافة التي تمارسها بالالتقاء بنماذج غريبة لبعض الأشياء، لا تجد لها وصفا، ولا تستطيع لها تحليلا، ولا يمكنك إلا أن تمثل دور من لم يستغرب إطلاقا رؤيتها والسلام.
سوى أن مشهدين استوقاني كثيرا هذا الأسبوع رغم أنهما في حكم المتكرر العادي: المشهد الأول لسيدة دجالة تدعي أنها تخرج الجن من أجساد الناس وترسلهم مباشرة إلى مكة المكرمة، دون تأشيرة عمرة ودون تأشيرة حج أو حتى تأشيرة مجاملة بل ودون تأشيرة عادية من العربية السعودية الشقيقة ودون جواز سفر حتى..
والمشهد الثاني لسيدتين تطرقان باب عرافة أو "شوافة" بدارجتنا، وهو المشهد الذي صوره أحد الأشخاص ووضعه على الفيسبوك ووضع معه صورة السيدتين معتقدا أنه يحارب بذلك هذا الجهل وهذا النصب والاحتيال رغم أنه في الحقيقة شهر بالسيدتين وكفى.
في الحالتين معا لا مجال للحكم لا على الناس الذي يذهبون إلى الدجالة التي تخرج "الجنون" من الأجساد وترسلها إلى مكة، ولا للسيدتين الساذجتين اللتان توجهتا إلى "شوافة" لكي تساعدهما على قضاء بعض الحاجات الخاصة
لامجال للحكم على هؤلاء، لكن هناك مجال شاسع وخصب ورحب للحكم على مجتمع لازال يؤمن بهاته الترهات. مجتمع أسس كينونته عليها، وعندما تتورط يوما وتفقد عقلك وتناقش أحد المؤمنين بهاته الخزعبلات يفحمك بغبائه الخرافي أولا، ثم يقنعك بأن تترك الجمل "باركا" وأن تذهب لحال سبيلك وأن تتركه مع شياطينه وعفاريته و"جنونه" والعالم السفلي الذي يحيا فيه لأنه لا أمل للإقناع أو الاقتناع
الكارثة العظمى، والطامة الكبرى والداهية الشؤمى، وقس على ذلك ماأردت من كوارث لغوية تدل على عظم الهول وكبر الفاجعة هو أن الأمر لا يقتصر على الأميين أو على طبقة اجتماعية دنيا ولا على من لم يلجوا يوما المعاهد العليا والمدارس الكبرى ويشتغلون في كبريات الإدارات والوزارات والشركات
الأمر يطال حتى علية القوم، الذين يصدمك بعضهم أحيانا بعبارة "راهم كيسحرو ليا"، أو بعبارة "تابعاني العين آخويا واقول العين ماكايناش راها مذكورة فالدين بحال السحور"، أو بعبارة "وكلاتني شي حاجة وليت غير تابعها".
تبتسم ظاهريا وفي دواخلك يتقطع الألم من الألم لأنك تدرك أن المسألة لا علاقة لها بمستوى تعليمي كبير أو صغير، ولا بمستوى اجتماعي لغني أو فقير، بل هي نتاج "حفر باطن" حقيقي اشتغل على هذا المجتمع المسكين لقرون وقرون وجعله يؤمن بهاته المسلمات ويعتقدها حقيقية، بل ويخصص جزءا ثمينا من وقته لأجل التطرق لها - مثلما نفعل نحن ذلك الآن بكل أريحية - ولأجل محاربتها أو حماية نفسه منها وتحصين ذاته من كل الشرور القادمة من العوالم الأخرى على يد هاته العصابة غير المرئية بالعين.
لسنا وحيدين طبعا في الكون في الإيمان بهاته الخرافات، ولكننا أسوأ وحالتنا أكثر استعصاء. و عندما ترى أن الزمن يتقدم في أمكنة أخرى إلى الأمام كثيرا وأننا نتقهقر إلى الوراء بسرعة أكبر، وأنه في الوقت الذي يخترع هذا العالم الواعي المحيط بنا يوميا عشرات الاختراعات المذهلة التي تسهل حياة الإنسان والتي تعطيك الإحساس كله أن العقل البشري جبار وخطير وقادر على المعجزات الحقيقية وليس المتخيلة، (في الوقت ذاته) نخترع نحن "الحروزا" و"الحجابات" ويضعها بعضنا أيام عاشوراء في المقابر، وعندما تقارن الوضع في العالم الذكي بمشهد النساء المسكينات القابعات ينتظرن خروج "الجنون" من أجسادهن لكي يرسلنهن إلى "للا مكة"، أو عندما ترى ذلك الرجل في الفيسبوك يطارد بكل بؤس شديد السيدتين المسكينتين اللتان اعتقدتا أن حل كل مشاكل حياتهما يمر عبر الطرق على باب تلك "الشوافة"، تكاد تقتتنع أن المشوار طويل وأن الطريق بعيد وأن أشياء كثيرة تنتظرنا لأجل إنقاذ ناسنا وأنفسنا ومجتمعنا من هذا الجهل القاتل الذي صنعناه بأيدينا ولم ننتظر ساحرا لكي يسلط لعنته علينا من خلاله، ولا لجأنا لعرافة لكي تقول لنا كم سيدوم كل هذا الهراء؟
المهم، على سبيل الختم، وتحسبا لأي مفاجآت من النوع غير السار كثيرا "بسم الله الرحمان الراحيمين" مثلما ينطقها المغارب "وصافي، حنا راه غير داويين".
اللهم حوالينا لاعلينا، التسلييييم.
المهم: حوقلوا وأكثروا من الحوقلة يرحمكم الله
ملحوظة على الملحوظة: شكون قلق عبديلاه ؟
بعض الزملاء سامحهم الله يرتكبون أمورا غير مقبولة على الإطلاق، منهم زميلتنا سلوى مفتوح وزميلنا حسن حليم اللذان أغضبا رئيس حكومتنا السابق سي ابن كيران..كيف ذلك؟
سلوى أجرت حوارا مع "الأحداث المغربية" في فقرة "الحوارات" التي ننشرها في هاته الأخيرة، وانتقدت في الحوار أداء عبد الإله ابن كيران وحكومته، فماكان من رئيس الحكومة السابق إلا أن يتصل بزميلنا حسن حليم الذي يجري هاته الحوارات وقال له "تنتقد الضيفة ديالك حكومة العثماني شغلها هداك آش بينها وبين حكومة ابن كيران؟"
ألم نقل لكم أعلاه إن "الجنون والتماسيح والعفاريت دايرين خدمتهم فهاد البلاد مسكينة؟". بلى قلناها لذلك مرة أخرى حوقلوا وأكثروا من الحوقلة ولا حاجة حتى للتعليق، وادعوا لأخينا عبد الإله بالهداية وكفى...