هم لم يكونوا يعرفون شيئا من الحياة. كانوا يعشقون الصلاة ويحلمون بخلافة تعود بهم لعصر النبي. أغلبهم ذوو تعليم متواضع، يدرّسون الرياضيات والعلوم والتربية الإسلامية وغيرها... لا علم لهم بطرائق اللباس العصري ولا بطريقة عْقد ربطة العنق. حتى أنهم لم يكونوا يعرفون أسماء السيارات الفارهة ولا أسماء عواصم العالم، ولا الأطباق الراقية ولا تناسق الألوان، ولا ألوان الشعر والماكياج. يسجنون زوجاتهم المتحجبات في البيت ولا يرتادون الأماكن الراقية...
هم مسلمون إسلاميون، ينطبع على جباه بعضهم "درهم" الصلاة.
هم الآن يتسابقون للحيازة على شهادة الدكتوراه، وعلى السيارات الفارهة وربطات العنق الأنيقة والبدلات آخر صرخة، ولو أنهم لحد الآن لا يعرفون تناسق الألوان وتقاليد الأناقة، تخونهم مشيتهم وعوائدهم الجسدية القديمة وطريقة أكلهم وكلامهم...
قلّة منهم متحضرون، وأذكياء، يستعملون قاموس اليسار ولغته، يبدون كما لو أنهم يحبون هذا الشعب الذي يشبههم بعضه، ويرفضهم أغلبه...
لهم اليوم العقارات، ويحصدون كافة المناصب السامية، ضدا على كل من له أهلية لذلك. يخططون لكل شيء، ويبنون مستقبلهم بكافة الوسائل، كأنهم ينتقمون لمواضيهم البئيسة...
هم لا يهم الفساد ولا تصاعد الحنق الاجتماعي ولا البطالة المتصاعدة وكثرة الانتحار وعمليات الحريك الجماعية الحاشدة، ولا حراك الريف وجرادة ولا عطش زاكورة...
هم يستمتعون بالجنة في الأرض ويختارون الحوريات في باريس حتى لو كانت لا تستر شعرها... كأنهم اكتشفوا أن الحياة الدنيا أدنى من الآخرة...
تنصلوا من كل شيء، واكتشفوا الجلسات الماجنة قرب البحر صباحا، وأن الوقت لهم في عصر ديمقراطية تسمح لهم بأكل دماغ البسطاء... كل شيء يبدأ باسم الله وينتهي بحمده وما بينهما آمال وآمال مخدرة...
صاروا حبل نجاة الشيوعيين القدماء، والاتحاديين الخائري القوى... صاروا رمزا لما لم يكن له أبدا من رمز... بل إن الكثيرين انتموا لهم طبمعا في جزء من الغنيمة...
بسطوا سيطرتهم على دواليب الدولة ومناصبها، هم وحلفاؤهم المعاقون... وبدلوا لغتهم كما بدلوا بدلاتهم ونمط حياتهم...
هم هنا مثل السم يسري في الجسد... غير أن لي ترياق بلدي تليد ضد سمهم...
فريد الزاهي