تلقيت من أصدقائي المقربين قليلا من العتاب وكثيرا من الشكر على المقال السابق الذي كان بعنوان " لماذا سيبقى النظام في الجزائرعسكريا إلى الأبد ولن يقوم فيها نظامُ حُكْمٍ مدني ديمقراطي أبداً ؟ " وقد كان العتاب حول طول المقال والإطناب في الكثير من التدقيقات التي يعرفها بعض الجزائريين كان من الأفضل الإشارة إليها فقط ( أنا تعمدت ذلك احتياطا من جهل الكثير من الجزائريين بها ) ، أما الشكر فقد كان أجمل ما فيه أن المقال فضح عسكر الجزائر الذي وضَّحَ المقالُ أنهم بدأوا مخططهم الانقلابي على كل الذين يميلون إلى أن يكون مستقبل الجزائر حكما ديمقراطيا مدنيا منذ الخلافات الأولى عام 1950 أي " منذ اجتماع اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية يوم 18 مارس عام 1950 لأنه في هذا الاجتماع تفجرت لعنة الصراع على زعامة هذا الحزب الذي غابت فيه تربية روح التوافق وحلت محلها الأنانية والنرجسية " والتي لاتزال هي التربية والثقافة السائدة لدى كل من احتل كرسيا في الدولة إلى أن يتلقفه الموت .ومن أجمل ما أثار انتباهي آراء بعض الإخوة الجزائريين الذي عبروا لي بحرقة شديدة عما يلي :
1) أن ما جرى أثناء 08 سنوات من ثورة نوفمبر 1954 أنه في الوقت الذي كان المجاهدون يموتون في معاركهم ضد المستعمر الفرنسي في عموم الجزائر ، كان أشرار الثورة في التيار العسكري وعلى رأسهم بنبلة الذي دعمه بومدين بعد ما التحق بالثورة متأخرا وفي ذهنه تنفيذ المخطط الجهنمي داخل جبهة التحرير الذي ركز فيه على القضاء على كل شخص داخل الجبهة فية رائحة الميل للخط المدني الديمقراطي بعد انتهاء هذه الثورة .
2) وبعد انتهاء هذه الثورة عام 1962 ظهر الأمر جليا أن الانقلاب الذي قام به بومدين في جويلية 1961 على الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس أو يسمى البيان رقم واحد الذي أصدره بومدين ، كان تمهيدا مفضوحا لاغتصاب السلطة العسكرية داخل الجبهة ، وبعد ذلك حكم الجزائر بعد إنهاء الثورة حتى ولو أدي بعساكر بومدين إلى قتل كل المدنيين الذين كانوا في الجبهة ولو قبل 05 جويلية 1962 تاريخ إنهاء الثورة ولا نقول تاريخ ( الاستقلال ) .
3) فَضَحَ المقالُ المؤامرة التي كان التدبير لها منذ الانقلاب على الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس في جويلية 1961 واغتصاب الثورة بمؤامرة عساكر بومدين والخضوع لشروط الجنرال دوغول أثناء مفاوضات إيفيان ، لأن المفاوضات الأولى كانت عسيرة جدا مع الوفد الوطني الجزائري وهو السبب في انقلاب بومدين على هؤلاء الوطنيين لأن بومدين كان يجهز اتفاقيات مع المستعمر على تسليم السلطة للتيار العسكري داخل الثورة وقطع الطريق على كل جزائري ديمقراطي مدني متحضر ، وأن يضمن الاستعمار الفرنسي لعساكر بومدن ذلك ، وهو ما تمخض عنه الفخ الذي سقط فيه الشعب الجزائري برمته الذي كان واقعا – إذاك - تحت تخدير الفرحة بما يسمى ( الاستقلال ) وهو في الحقيقة مؤامرة بين بومدين والذين معه داخل الثورة من جهة والجنرال دوغول من جهة أخرى لإنهاء الثورة بتقديم الهدية المسمومة للشعب الجزائري وهو فخ " استفتاء تقرير المصير " . إذن الحقيقة هي أن ثورة نوفمبر 1954 لم تنتهي بإخضاع المستعمر وإذعانه لتقديم الاستقلال للشعب الجزائري ، بل هي مؤامرة دنيئة لإنهاء الثورة التي تم القضاء في داخلها على كل ديمقراطي مدني متحضر يرغب في أن تحتل الجزائر مكانتها بين الشعوب الديمقراطية في العالم عندما يخضع المستعمر لشروط الوطنيين الديمقراطيين .
4) لقد كان لالتحاق الكثير بالثورة بعد انطلاقها ببضعة سنوات أثرٌ في تحريف مسارها ، مثلا أن الذي يجهله كثير من الجزائريين أن بومدين التحق بالثورة بعد التحاق جنرالات دفعة لاكوست منهم مثلا الجنرالات خالد نزار ومحمد مدين توفيق والعماري والتواتي وكلهم التحقوا بالثورة قبل بومدين وذلك باعتراف الجزار خالد نزار الذي يعترف أنه التحق هو وأصدقاؤه بالثورة عام 1956 وكل ما قيل عن التحاق بومدين منذ بداية الثورة فهو مجرد أكاديب وتزوير للتاريخ .
5) ومن أجمل ما تلقيته من ملاحظات مباشرة من بعض أصدقائي المقربين أن حكام الجزائر بعد اغتصاب السلطة في الجزائر أول شيء بدأوا به هو تدمير مبادئ ثورة 1954 وباعوها بالتقسيط لكل الرؤساء الانقلابيين في إفريقيا ، بعض دول أمريكا اللاتينية ، باعوا مبادئ الثورة من أجل دعم مخططاتهم التي تركز على تدعيم هؤلاء الانقلابيين لحكام الجزائر للخلود في السلطة إلى الأبد ، وتدعيم مواقفهم الديبلوماسية في الخارج حتى ولو كانت غير عادلة .
6) كان عليك يا أخي – يقول أحد الأصدقاء – أن تتعرض بالتفصيل لكل المخططات الفاشلة التي تؤكد تجذر النظام العسكري في الجزائر الذي يُسَيِّرُهُ من وراء حجاب أشباحٌ لا يعلم أحد من أين ، هل من فرنسا أو إسرائيل أو أمريكا أو منهم جميعا ، لأن أكبر دليل على ذلك هو أن حكام الجزائر ( وخاصة الثلاثي بنبلة بومدين بوتفليقة ) لم يكن همهم تطوير معيشة الشعب الجزائري بقدر ما كان همهم إذلاله واحتقاره لأن العالم كله قد رأى أن الجزائر لم تخرج في يوم من الأيام من حفرة التخلف التي أسقطهم فيها بدهاء كل من الجنرال دوغول وبومدين ، والتي لا يزال يعاني منها الشعب إلى اليوم .. والسؤال المحير هوكيف وأين ضاعت تريليونات الملايير من الدولارات التي اكتسبتها الجزائر طيلة 56 سنة لولا وجود سر خطير جدا في أن هناك حفرة كبيرة تمتص خيرات الجزائر بانتظام بالإضافة إلى السرقات الداخلية ، لكن سر ضياع تلك الملايير من الدولارات لا يكمن في السرقات الداخلية فقط بل هناك شيء أخطر من السرقات ... الظاهر للعيان الجهة التي ذهبت إليها بعض ملايير الدولارات هي خردة الأسلحة السوفياتية في مرحلة سابقة والروسية في مرحلة لاحقة ....والله وحده يعلم أين ذهبت البقية ..
إنها وصمة عار في جبين الشعب الجزائري أن يحكمهم : بنبلة وبومدين وبوتفليقة .
لقد مرت الجزائر وشعبها تحت حكم مجرمين يقال إنهم كلهم جاؤوا من غرب الجزائر أو مروا منه ، فمثلا أفاد نجل العقيد عميروش، نورالدين آيت حمودة، لدى استضافته في برنامج “دعوة” على قناة “الخبر” “كاي.بي.سي”، بأن “هواري بومدين لم يقم بالثورة، وكان مختبئا في المغرب ينتظر، مثل غيره ممن كانوا في تونس وفرنسا وألمانيا، ينتظرون الاستقلال ليعودوا إلى الجزائر”، مضيفا: “ ولأنّه لم يقم بالثورة فقد كان يكره المجاهدين وأبناء المجاهدين ، والدليل أنّه أبقى على تسمية جبهة التحرير الوطني وغيّر تسمية جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي، وأنا مسؤول عن كلامي " ... أما بنبلة فقد اعترف بلسانه أنه من أصل مغربي ومن قرية تسمى ( أولاد ناصر ) تبعد عن مدينة مراكش المغربية بحوالي 60 كلم ... أما بوتفليقة فقد ولد بمدينة وجدة المغربية وترعرع فيه إلى أن أصبح شابا وحاول أن يلتحق بجهاز الأمن المغربي ( طبعا بعد استقلال المغرب عام 1956 ) لكن معيار الطول المطلوب في رجل الأمن المغربي لم يكن يتوفر لديه فهاجر إلى الجزائر وادعى أنه التحق بالثورة مبكرا !!! ولا ندري حقيقة الظروف التي أصبح فيها بين ثوار الجزائر ، وللتذكير فقط فلايزال المنزل الذي ورثه بوتفليقة عن أبيه في مدينة وجدة تحت حراسة الأمن المغربي ... إنها وصمة عار أن يحكم الشعب الجزائري هؤلاء الثلاثة الذين بصموا حقبة من تاريخ الجزائر بالخزي والعار والتخلف الذي الأبدي والذي تتضح فيه معالم التعمد والإصرار على أن يجتهد هؤلاء الثلاثة بأن لا تلتحق الجزائر بركب حضارة القرن 22 أبدا ...
سمير كرم