ما يُؤلف بين قلوب المدافعين على توفيق بوعشرين هو "الشك"، وما يُفرّق بينهم وبين ضحاياه هو "التصديق والإيمان" بوقوع تلك الزلاّت الجنسية المفرطة في نرجسية الذات والموغلة في استباحة الجسد.
فما نشرته جريدة أخبار اليوم في افتتاحيتها الأخيرة حول "متاهات" خبرة الدرك، يؤكد بالملموس، وبما لا يدع مجالا للارتياب، بأن "الشك أصبح عقيدة في مرتبة الإيمان لدى محيط ناشر أخبار اليوم"، ولعلّ ما يؤكد هذا المعطى هو إمعان التشكيك والتجريح في كل شيء. ألم يشكّك دفاع توفيق بوعشرين في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية؟ ألم يطعن في محاضر استنطاق النيابة العامة بالزور؟ ألم يُجرّح ويُخاصم أعضاء هيئة الحكم؟ ألم يطعن في مصداقية قرار المحكمة الدستورية عندما أضفت طابع المشروعية على مهام النيابة العامة في قواعد الامتياز القضائي؟
وإذا كان "الشك هو سادية الأرواح الناقمة"، كمال قال إميل سيوران، فإن تطبيقات هذه القناعة الفلسفية تكاد تتجسّد وتتجسّم بشكل صارخ في قضية توفيق بوعشرين. "فالشك" بَلغَ ذروته مع سليمان الريسوني ومحمد رضا والمعطي منجب وعبد العالي حامي الدين والآخرون، بعدما أصبحوا يطعنون ويشككون في كل حجة وقرينة وتصريحات وفي أي دليل علمي ينهض كوسيلة إثبات في مواجهة توفيق بوعشرين. و"سادية الشك" باتت هي العنوان الأبرز الذي يطبع مواقف جوقة الرفاق والمتعاطفين، الذين باتوا يتهمون الجميع بالتواطؤ مع الجميع ضد شخص توفيق بوعشرين، بينما تحديد من هي "الأرواح الناقمة" فهي مسألة لا تحتاج إلى بيان لأن "السكوت في معرض الحاجة إلى بيان فهو بيان". وبيان هذه الأرواح الناقمة يكمن في الموقف الراسخ لأصحابها في رفض كل ما هو مؤسساتي أو رسمي في هذه البلاد.
لكن الخطير في "شك وتشكيك محيط توفيق بوعشرين" هو أنه أضحى رديفا للكذب وقرينا للتضليل. فأن يقول سليمان الريسوني بأن الكاميرا المحجوزة في مكتب ناشر أخبار اليوم إنما تلتقط الصورة فقط دون الصوت، ليخلص إلى تشكيل استنباط شخصي مؤداه أن التسجيلات المحجوزة مفبركة وتم توضيبها في غرفة خاصة للعمليات، فذاك هو منتهى السذاجة التقنية المشفوعة بكثير من الإفك والبهتان والتضليل.
فالفرقة الوطنية للشرطة القضائية عندما باشرت إجراءات التفتيش والحجز داخل مكتب المتهم توفيق بوعشرين، قامت بجرد الأشياء المحجوزة بما في ذلك الكاميرا الكورية الصنع التي وجد فيها سليمان الريسوني ضالته المفقودة، لكنها لم تقل أو تجزم في محضر الحجز أو في خلاصاتها بأن تلك الكاميرا هي التي كانت توثق الجرائم الجنسية المنسوبة لتوفيق بوعشرين! وهذه هي أول هفوة يسقط فيها محيط توفيق بوعشرين أو أنه تعمد القفز عليها لتضليل الرأي العام، لأنه يعتقد واهيا بأن القارئ يتماهى مع كل ما يكتب دون تمحيص ولا تحقيق.
"فمحضر الحجز الذي أنجزته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قام بجرد كافة المحجوزات المضبوطة، قبل أن يتم عرضها على المتهم توفيق بوعشرين لتحديد ماهيتها وملكيتها وعلاقتها المفترضة بالجرائم المرتكبة، ولم يتضمن (أي المحضر) أي تخصيص للكاميرا المذكورة، بينما محيط توفيق بوعشرين هو من ادعى بأن تلك الكاميرا هي التي وثقت الأفعال الإباحية للمتهم” يوضح مصدر قضائي، قبل أن يستطرد بأن العبرة “بالتسجيلات والأشرطة المحجوزة، لأنها هي التي تكتسب الحجية القانونية، لاسيما بعدما أكدت الخبرة التقنية لمختبر الدرك بأنها صحيحة ولم تخضع لأي تغيير أو تحريف".
وبدوره، نفى خبير في نظم المعلوميات الخلاصات التقنية التي انتهى إليها سليمان الريسوني في افتتاحيته الأخيرة، مؤكدا بأن الكاميرا المحجوزة في ملف توفيق بوعشرين هي من الجيل الجديد لأدوات التصوير الرقمي، المتوفرة في السوق العالمية والتي تتوافر فيها خاصية الصوت والصورة، وهي النتيجة نفسها التي تؤكدها عملية بسيطة للتقصي في محرك البحث “غوغل” حول نوع وخصائص هذا النوع من الكاميرات، والذي لم يسقط عن هذه الكاميرا خاصية التقاط الصوت.
وبصرف النظر عن الجوانب القانونية والتقنية في ملف توفيق بوعشرين، المتابع بجرائم الاتجار بالبشر والاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي، فإن القارئ يجد نفسه ملزما بالاتفاق والتوافق مع سليمان الريسوني في إحدى استيهاماته الشخصية عندما قال بأن هذه القضية حبلى ومليئة بالمتاهات! ولعلّ أكبر هذه المتاهات وأعقدها هو “أن يفترض محيط توفيق بوعشرين الجهل في الرأي العام، ويفترض فيه تقبّل مثل هذه الأكاذيب، وأكثر من ذلك يدعوه لتصديق هذه الأكاذيب".
ويبقى ما قاله الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو هو الأكثر انطباقا على حال سليمان الريسوني ومن معه، عندما تساءل مستنكرا “كيف يمكن للإنسان أن يتخذ الشك عقيدة ويلتزم بها …هذا ما لا أستطيع فهمه، وبتعبير أكثر وضوحا فإن هدهد سليمان القرن الواحد والعشرين لم يعد يأت من عمارة الأحباس بالخبر اليقين، وتلك هي الطامة الكبرى.
عن "برلمان كوم"