لم يكن الحفل، الذي احتضنه القصر الملكي بالرباط مساء الـ17 من شتنبر، بروتوكولا مخزنيا عاديا. أكثر من ذلك، كان مناسبة بعث من خلالها الملك محمد السادس رسالة واضحة، مفادها أن التعليم قضية التزام يجب أن يشترك فيها الجميع.
وبظهوره محفوفا بولي العهد مولاي الحسن، والأمير لالة خديجة التي شكلت المناسبة أول خروج رسمي لها، أكد الملك محمد السادس أن التزامه بقضية التعليم ليست مسألة فردية، بلا التزاما من المؤسسة الملكية يكتسي صبغة صيرورة مستمرة لفائدة المدرسة والأجيال القادمة، باعتبار أن في المدرسة يتشكل مستقل البلاد.
هذا ما أكده وزير التربية الوطنية حين استعرض أمام الملك الالتزامات المتعددة للدولة، التي يأتي على رأسها البعد الاجتماعي، وبرنامج تيسير، الذي عرقلته البيروقراطية المالية، والداخليات والنقل المدرسي والمطاعم. معدلات الهدر المدرسي مرتفعة خصوصا في الوسط القروي، حيث ينتشر الفقر أكثر. تلك كانت معالم التزام حكومي مهم للغاية.
غير أن التعليم قضية تهم المجتمع برمته. الملك كرم، بالإضافة إلى أطر تعليمية أخرى، نموذجين واضحين. هشام الفقيه، هذا الأستاذ المتميز الذي اجتهد لكي يحبب تلامذة قسمه في أحد دواوير الريف في الدراسة، والبلاد، وأصر على تلقينهم أولى مبادئ المواطنة. نموذج هشام، يذكرنا بأساتذة ما بعد فترة الاستقلال الذين تميزوا بكفاءة عالية، وبروح وطنية سكنت أعماقهم، آملين أن ينتج نضالهم المهني مع التلاميذ أياما مشرقة على المغرب. أنتمي لجيل كان ينظف الأقسام مرة في الشهر. لقد كان ذلك درسا في التضامن، وتحمل المسؤولية، والالتزام.
الملك كرم أيضا «مثال الشجاعة» زهور أنساي، الطفلة التي ولدت دون يدين وبقامة قصيرة، وحازت على الباكالوريا مترشحة مع الأحرار. قصة إنسانية رائعة تحيلنا على التزام أسرتها ووالدتها قبل التزام زهور نفسها. لو كانت العائلات لا تضع ثقتها في المدرسة ولا تحفز أبنائها، ولا تواكب مسيرتها في التحصيل والمعرفة، فإن باقي الالتزامات ستتبخر. وهذا ما نحتاجه اليوم تحديدا: التفاف كامل للأسر حول التعليم.
إعادة بناء المدرسة قضيتنا جميعا. بدون مدرسة مواطنة ذات جودة عالية، لن تتوقف عجلة التنمية فقط، لكن التلاحم المجتمعي سيصبح في خطر. رمزية هذا الالتزام مسألة ذات حيوية قصوى، حين تعيد ترتيب الأولويات لأن التعليم هم مشترك. يجب علينا أن نجعل منها رابطا شاملا، لا يستثني الأشخاص ذوي الاحتياجات، ويجعل منها فضاء للمساواة ومفتاح ارتقاء اجتماعي، ومكانا لنقل المعرفة بين الأجيال.. والقيم الإنسانية.
لن نصل لهذا المبتغى إلا عبر هذا الالتزام.
بقلم: أحمد الشرعي