سعيد نافع.
بعد أن تلقى الرأي العام صور ناشر « أخبار اليوم » وبعض ضحاياه الواردة في الخبرة التقنية التي أجراها الدرك الملكي باستهجان كبير واتضح أن مدير نشر الجريدة المذكورة هو الظاهر في كل الصور، وبعد أن أنجزت هاته الخبرة بطلب من المحكمة التي تنظر في القضية التي يتابع فيها المعني بالأمر بتهم الاتجار بالبشر والتهديد بالتشهير وهتك العرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب وجنح التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء بينهم امرأة حامل واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل، خرجت اللجنة المسماة ‘‘ الحقيقة والعدالة في قضية بوعشرين‘‘ إلى الرأي العام بمتاهة شبه تقنية جديدة، تدخل في إطار نهجها المعتاد الذي دأبت عليه من خروج الملف للعلن في أعقاب اعتقال المشتبه به من مكتبه نهاية فبراير الماضي، والرامي إلى نفي كل التهم عنه، حتى لو تطلب الأمر القفز على الحقائق، تارة باتهام الضحايا ومحاولة الضغط عليهن وعلى أسرهن، وتارة بمحاولة الإيهام باستهداف المتهم في مؤامرة مدبرة. غير أن طمس الحقائق وصل هذه المرة إلى حد بعيد في الاختلاق والخيال، عبر تمسح مضحك في مسائل تقنية يستطيع حديثو العهد بها ضحدها بيسر بالغ.
ففي محاولة جديدة لاستمالة الرأي العام الذي يبدو أنه حسم رأيه فعلا بعد تسريب الصور، استهدفت تخريجة اللجنة الخبرة التقنية للدرك الملكي، من خلال وضع تصور لأطروحة غريبة مفادها أن الصوت المرافق للفيديوهات المعروضة على المحكمة تم تركيبه في مرحلة، أو أن المشاهد المصورة ( الفيديوهات) والصوت المسجل فيها تم تركيبهما في مرحلتين. الحجة الأقبح من الزلة في هذا الاستنتاج التقني الخطير، تقتضي أن الكاميرا سوداء اللون من نوع IM 630 C
التي حجزتها عناصر الفرقة الوطنية في مكتب المشتبه به لا تتوفر على خاصية تسجيل الصوت، وعليه فإن الفيديوهات الأصلية المعروضة على المحكمة لا يمكن أن تكون فيها خاصية الصوت.
ذكاء اللجنة أو غباؤها الأمر سيان، أو غباء من يسيطر عليها، في الاستنتاج وقع في خلط خطير للأمور يبدو أن لا عذر فيه سوى إذا قرأناه من باب الرغبة في القفز السريع إليها والهدم المقصود لعمل الخبرة التقنية. فبالاطلاع على ما ورد في محضر الانتقال والمعاينة والحجز الذي أجرته الشرطة القضائية في مقر مكتب المشتبه به في 23 فبراير 2018، توجد ضمن المواد المحجوزة كاميرا بيضاء اللون، وهي الأداة التقنية المعنية بنقل والتقاط الصوت إلى جهاز الدي في إر الذي، كان أول محجوز خضع لخبرة مختبر الدرك الملكي التي أثبتت أن ماهو مخزن فيه بالصوت والصورة لم يطله أي تحريف.
استغباء الرأي العام المغربي بهذه الطريقة يسقط مباشرة عند استفسار التقنيين في الموضوع. أبسط تقني يعلم أن مسجل الفيديو الرقمي، يتوفر في واجهته الخلفية على مدخلين ‘‘ إن in ‘‘ للصوت والصورة، وبمجرد إيصال الكاميرتين السوداء ( للتصوير) والبيضاء (للصوت) بهذين المدخلين، يقوم المسجل بدمج الصوت والصورة بشكل آلي مع انطلاق عملية التسجيل فيه، وفي أي مسجل فيديو رقمي آخر، يرغب صاحبه، سواء كان تقنيا أو شخصا عاديا، في تصوير المشاهد المرغوب فيها مدمجة بالصوت بشكل تلقائي.
ثاني سقطات اللجنة في هذه الخرجة الجديدة ترتبط بتساؤلها عن مصدر الميكرو الصوتي، وهو ما ينم عن جهل كبير بالتقنية أولا التي حاولت اللجنة أن تجر إليها الرأي العام في المقال المنشور في الصفحة الأولى من الجريدة التي يتابع ناشرها في الملف، وجهل بطبيعة المواد المحجوزة عند اعتقاله والواردة في محضر الانتقال والمعاينة والحجز، إذ أن الكاميرا البيضاء الواردة ضمن المحجوز في نفس المقال أيضا، ليست سوى الميكروفون الذي يستعمل في تسجيل الصوت.
تستمر التخريجة في الشهادة على أصحابها، عندما يتساءل كاتب المقال عن مصدر الروابط الكهربائية LES CABLES غير الوارد في محضر الانتقال والمعاينة والحجز، والوارد في تقرير الخبرة التقنية للدرك الملكي. في الوقت الذي يعرف فيه كل من اطلع على المحضر أن كل الأجهزة والمواد التي تم حجزها في مقر مكتب المشتبه به، تم إدراجها بالتفصيل وبالإسم التقني فيما يتعلق بالأجهزة الرئيسية، فيما تم إدراج باقي المواد المكملة أو الخارجية في خانة الأكسسوارات المختلفة التي تم التنصيص على وجودها في مكتب المدير المتابع إياه
الخلاصة التي ينتهي إليها أي متتبع بسيط لا للمجال التقني ولا للمجال الإعلامي هو أن اللجنة إياها لم تكن تتوقع نتائج خبرة مختبر الدرك الملكي ولم تكن تتوقع رد فعل الرأي العام المغربي الذي حسم موقفه من هاته القضية بعد أن اتضحت له كل الحقائق، لذلك لجأت لعملية الهروب هاته وهي عملية غير ذكية كثيرة تضحك كل من يعرف كيف تشتعل أجهزتنا الكهربائية وكيف تنطفئ وكيف يتم إمدادها بالوسائل المساعدة على الاشتعال والانطفاء هاته.
ترى من عبث بزر لجنة طمس الحقيقة حتى صارت قادرة على إضحاك الناس عليها؟ من تقبل لها هذا الدور ومن أراد لها هذا الرضا بهذا المستوى الأول من عدم الفهم لوسائل تقنية يشتغل بها الجميع اليوم؟
ذلك فعلا هو السؤال .