مشكلة إغناسيو مع المغرب هي أنه فضولي يتدخل في شؤون داخلية لبلد لا علاقة له به. مشكلة إغناسيو الأهم هي أن هذا الفضول كان يدر عليه في السابق من الوقت ملاليم يداري بها عورات زمنه المادي. مشكلة إغناسيو الحالية هي أن هذا الفضول تحول إلى فضول مرضي مجاني لايدر مالا، ولا يثير انتباه مسؤولين، ولا يتسبب في استدعاء على عجل إلى العاصمة للرباط لأجل التذاكر حو الشؤون المغربية
مضى ذلك الزمن الذي كان من الممكن فيه أن يبيع إغناسيو نفسه باعتباره متخصصا في الشأن المغربي، وأتى زمن آخر وجديد المتخصصون الحقيقيون في الشأإن المغربي هم الصحافيون المغاربة الذين يكتبون عن شؤون بلدهم من كل الاتجهات والأطياف، والذين لم يعودوا محتاجين لسماع تلك العبارة المهينة التي كان يقولها بعض مسؤولي الاتصال قديما « لقد تحادثنا قليلا مع فلان وسينشر في جريدته الإسبانية أو الفرنسية أو الأمريكية مقالا حول الموضوع، حاولوا أن تترجموه بعد أن يصدر ».
اليوم الصحافيون المغاربة يكتبون بأنفسهم في كبريات الجرائد والمجلات العالمية، وفي أرقى المواقع التي تعنى بشؤون المنطقة. وهذا المصاب الجلل الذي مس إغناسيو في مقتل حقيقي، وجعله يتيما يحاول أن يبيع نفسه مجددا لأي جهة تريد الدفع هو مايفسر تحركاته المثيرة للشفقة في تويتر وعبر « إل كونفيدونسيال » وفي مختلف المواقع التي يمكن أن يكتب فيها.
عندما تتابع مايفعله إغناسيو عن المغرب تتخيله رباطيا قحا من « أولاد ديور الجامع » أو فاسيا عريقا من قلب المدينة العتيقة قرب ضريح مولاي ادريس يهتم بشؤون وطنه، خصوصا الحزينة والكئيبة منها وتلك التي تثير الفتنة أو التي تبدو له قابلة لإثارة القلاقل.
نادرا بل أبدا لا يكتب سمبريرو عن شيء طيب وقع في المغربو لأن المغرب منذ غادره سمبريرو لم يعد يقع فيه أي شيء طيب.
بالمقابل عندما تندلع أحداث متوترة في الحسيمة يقول لنا سمبريرو إن الثورة بدأت. عندما تطالعنا مواقع التواصل بفيديو أو أكثر لحراكة يعبرون نحو الأندلس فردوسنا المفقود التي لم تعد تمتلك من الفردوس إلا الإسم القديم، « يبشرنا » سمبريرو أن الشعب المغربي كله هارب، وعندما يستدعي القضاء الفرنسي في خطوة غير مقبولة تم التراجع عنها صحافيين مغاربة لمساءلتهم على أرضه عن نزاع يجمعهم بمواطن مغربي، يقفز سمبريرو إلى « الكلافيي » لكي يكتب إن أزمة خطيرة تجمع باريس بالرباط.
لا يفوت سمبريرو أي فرصة للنيل من المغرب لأنه يعتبر نفسه المتخصص الوحيد في شؤونا، ولأنه يعتقد أنه لم يكن من الضروري الاستغناء عن جزء من خدماته التي كان يقدمها سابقا للبعض.
هنا في المغرب لا نستغني فقط عن سمبريرو وعن تحليلاته ومتابعته لشأننا، بل نبتسم حزنا لسنوات سابقة كنا نصدق مايكتبه فيها، وكنا نعتبر أنه صحافي مهني يريد فقط الخبر الصحيح لكي ينقله للقارئ الإسباني.
منذ سنوات خلت، وأثناء زيارة قمنا بها لعدد من المؤسسات الإعلامية الإسبانية رفقة وفد صحافي مغربي، وجدنا سمبريرو ينتظرنا في باب الجريدة التي كان يشغل حتى تلك اللحظة منصب مراسلها في الرباط (قبل أن يتم طرده منها). صافح واحدا منا فقط، وذهب رفقته إلى مكان بعيد وشرعا في الحديث في انتظار وصول مدير الجريدة ورئيس تحريرها.
أتى المدير ورئيس تحريره: شابان لم يبلغا الأربعين بعد . جلسا وشرعا في السؤال عن حال السياسة والصحافة في المغرب. حاول سمبريرو أن يجيب عوضا عن الوفد الصحافي المغربي، بل حاول أن يقدمنا وفق تصور فريد وغير مؤدب للأشياء بعبارة « فلان الفلاني من الجريدة الفلانية مقربة من النظام، فلان الفلاني صحافي مستقل..وهكذا ».
ابتسم المدير ورئيس التحرير آنذاك، وطلبا منه أن يصمت وأن يترك الضيوف يتحدثون. أتذكر أن زميلنا خليل الهاشمي الإدريسي كان قد تحدث باسمنا جميعا، وشرح للمدير ورئيس تحريره بكل أدب، وبكل أناقة لغوية، أن المغرب الذي كان ينتظر الفتات الصحفي من الأصدقاء الأجانب قد انتهى من هاته المرحلة، وأن كثيرا مما يكتبه بعض الأصدقاء الأوربيين من الرباط باعتبارهم متخصصين في الشأن المغربي هو مجرد كذب في كذب، وأنه من اللازم الاستعانة بصحافيين مهنيين لا بمعارضين أجانب للنظام لكي يكتبوا وفق مخيلتهم المريضة تهيؤات كثيرة عن المغرب
كنت أرمق سمبريرو وزميلنا خليل يتحدث، وكنت أقارن بين الشيب الذي غزا شعره وبين عنفوان وصبا المدير الشاب ورئيس تحريره، وكنت أقول لنفسي إن مرحلة تنتهي وأخرى تبدأ.
لسبب من الأسباب تخيلت نهاية حزينة لسمبريرو كأن يمضي وقته في الأنترنيت يسب المغرب إلى أن يرحل أو شيئا من هذا القبيل.
مرت على ذلك اللقاء سنوات عديدة. ذلك المشهد الذي تخيلت عليه سمبريرو يومها هو الذي تحقق: فضولي يتصور أنه يحق له أن يعطينا دروسا في كل شيء، يمضي الوقت كله متحدثا بالسوء عن بلد أجنبي عنه لم تعد تربطه به علاقة ولن تربطه به مستقبلا أي علاقة على الإطلاق.
الفضول الصحافي فضيلة في مهنتنا شرط التوفر على مايعضده مهنيا. الفضول الآخر المجرد من أي صفة مهنية، والمراد به فقط الضغط لأجل بعض العابر من الاستفادة مرض حقيقي، تدعو لأصدقائك بالشفاء منه، وتدعو للآخرين الذين لاتجمعك بهم عاطفة أن يظلوا على نفس المصاب غير قادرين إلا على المزيد من التورط في فضول لم يعد يجدي أي نفع لدى المغاربة..
كلارو سينيور؟ لا أعتقد فالوضوح خاصية لم تجد يوما طريقها إلى إغناسيو…
بقلم: المختار لغزيوي