في هذه المقالة سنفنّد ادّعاءات فقهاء، يعتمدون الدّينَ في السّحر، وبه يضلّون الجهلاءَ والمغفّلين، وسأعتمد تنويعَ الروايات، كما سأعتمد أكثرَ من مرجع في هذا الباب.. زار السّيد [المسيح] عليه السلام، مدينة [بيت لحم]، وكانت امرأةٌ تعاني من مرض النّزْف؛ فقيل لها لو لمستْ هدْبَ [المسيح] لشُفِيَت في الحال؛ ولـمّا كان السيد [المسيح] يمشي بين الناس، تسلّلَتِ المرأةُ المريضة، ولمستْ هدْب السيد [المسيح]، فتوقّف نزيفُها على الفور، لكنّ السيدَ [المسيح] أحسّ بأنّ شيئًا جذبهُ إلى الخلف، فالتفتَ، فوجد المرأةَ المريضة وقد شفيت في الحال؛ فقال لها: [يا امرأة، إنّ اعتقادَكِ هو الذي شفاك.]؛ وصدق السيدُ [المسيح]، فالاعتقاد في الله عزّ وجلّ، يشفي المؤمنيـنَ الصادقين، وليس دواء السّاحر، أو تمائم الفقيه الكذّاب؛ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث صحيح ومسند: [لا تمائمَ في الإسلام]؛ فهؤلاء مجرّد كذَبة ومخادعين..
أمّا هذه القصة، فيرويها [سيغموند فرويد] نفسُه، وقد كان شاهدًا عليها بنفسه، يقول: [في النامسا، (موطنُه الأصلي)، كانت الأسرُ الأريستقراطية، لا تسمح لبناتها بالزواج من شبّان غرباء، حتى لا يخرج الميراثُ خارج الأُسر، ويشارك فيه من هم ليسوا من الأسرة.. وهذه فتاة، أحبّت شابّا لا ينتمي إلى أسرتها، فرفضه أبوها، وحتّم عليها الزواجَ من ابن عمّها، وكانت تكرهه، فكان أبوها يرغِمها على الكتابة له، وهو ما كانت الفتاةُ ترفضه؛ وبفعْل ضغْط أبيها، شُلَّتْ يدُها اليمنى، وما عادت تستطيع الكتابةَ، فلزمتِ الفراش، فاستدعى أبوها راهبًا عساه يشفيها، فكان يقرأ عليها تمائمَه، ويمارس طقوسَه عليها يوميًا دون جدوى؛ فخطر له أن يستدعي [فرويد]، زعيم المدرسة التحليلية في علم النفس؛ وبعْد جلسات معها وطرْحِه لأسئلة، اكتشف [فرويد] أن شلَلَ الفتاة نفسي، وليس عضويًا، فقرّر [فرويد] إحداث صدمة موجبة تعادل في شدّتها الصّدمةَ السّالبة التي كان أبوها الأصل فيها؛ فقال له [فرويد]: [ستدخُل علينا، وتزّف الخبرَ بأنكَ موافقٌ على زواجها من ذلك الشاب، وهو الآن قادمٌ إلى مدينة [ڤيينّا]؛ ففعل الأبُ، وأدّى الدور كما أوصاه [فرويد]، ومن غير أن تشعر الفتاةُ، قفزتْ من سريرها، وعانقت أباها بيديْن، وقد زال شللُ يدِها اليمنى، لأنّ الأصلَ فيه كان نفسيًا، ولم يكن عضويا، ثم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اطْلُبُوا العلمَ ولو في أهل الشرك.]..
عندنا في المغرب أضرحة، ومراقد لصالحين، ولكنْ كلّ ضريح تخصّص في معالجة مرض معيّن، وهذا التخصص من إبداع الجهلاء، والأمّيين.. في بلدتنا نسكن قرب ضريح، تخصّص في معالجة الحمّى؛ فكانت أمّي، كلّما أصِبتُ بحمّى، تأخذني صباحا، وتغسل قدميّ، ويديّ، ووجهي بجانب حائط الضريح عساني أشفى من الحمّى، فما كنتُ أشفى، لأنّ ذلك عملُ الطبيب لا بركة الوليّ الصالح.. ثم تحدثُ ظواهر طبيعية، ولجهل الناس بأسبابها، كانوا يأخذون بتفسيرات الدّجالين؛ وإذا كان هناك غرضٌ يجب أن يُقضى؛ فإنّه يُقضى تحت قلم الفقيه، أو بفعل (السّحارة) المبجّلة، التي تخرق الحُجبَ، وتعْلم الغيبَ، بقراءة الفنجان، أو أوراق اللعب، أي (الكارطة)؛ لذا يوصي المفكّرون بإنشاء مجتمع علمي..
حين يتوصّل الإنسانُ، بتجاوزه ظواهر الأمور، إلى العلل الفعلية للظاهرات، لا يعود يخشاها، ولا يعود متطيّرا.. إليكم مثالاً، مرّ من زمن كان فيه المسافرون الذين يجتازون إفريقيا، يؤكّدون أنهم رأوا في السماء حدائقَ الفردوس الشاسعة.. وكانوا يرون أحيانا أنهم شاهدوا مركبًا طائرًا يعتلي ظهْره بحّارة أشباح؛ ثم كان كل شيء يختفي؛ كان الناسُ، ما دامتْ علّةُ الظاهرة مجهولة، يأخذون بتفاسير الدّجالين الذين ينحثون حوْلها الخرافات، وكانوا يقولون إن ما يشاهَد هو جنّة الخلد التي وعد بها الله عبادَه الصالحين؛ فكان الناس يسجدون لها، ويقدّسونها.. لكن في زمن لاحق، فسّر العلماءُ علّةَ تلك الظاهرات الخارقة للمألوف، فوجدوا أنه في البلدان الحارّة، وفي أيام الصحو، يغدو الهواءُ أكثر كثافةً، فيؤلّف مرآةً هائلة الحجم، وتنعكس على هذه (المرآة) الأشياء الموجودة على البَرِّ، أو في البحر، من حدائقَ، ومراكبَ، وقس على ذلك.. كان الناس يرون انعكاسَ حدائق موجودة على الأرض، وليس جنّات الفردوس؛ كما كانوا يرون مراكب تمخر عبابَ البحر، وليس مراكب طائرة، وما إنْ فسّر لهم العلماءُ علّةَ هذه الظاهرة، حتى انقشع الخوفُ، وخبا التفسيرُ الذي كان يجود به عليهم جهْلُهم، وعرفوا أكاذيبَ الدجالين، الذين يستثمرون جهْل الناس، وسذاجتهم، وخوفهم، وهذا هو مشكلُنا في هذا البلد..