يوم الأحد (05 غشت 2018) كنتُ قد قضيتُ الليلَ نصفَه، والنهارَ كلَّه، في صياغة مقالات لقرّاء جريدة [النهار المغربية] الغرّاء، وكانت آخر مقالتيْن انتهيتُ منهما مساءً هما: [أيّة فلسفة هذه رُدَّ لها الاعتبار؟] و[أية فلسفة نريد لخلْق نُخَب كفأة، وبثّ وعي شامل في المجتمع؟]؛ وبالصّدفة، وقعتُ ليلاً على إحدى قنواتنا التلفزية، وهي تقدّم ضمْن برنامج [45 دقيقة]، شريطًا حوْل ظاهرة السحر، والدجل، والشعوذة، وكانت اعترافاتُ الضحايا صادمةً، والمشاهدُ فظيعةً، إلى درجة أنه خطر لي أنْ أمزّقَ المقالتيْن حوْل الفلسفة، إذ كيف أكتب في الفلسفة لمجتمع ما يزال يتخبّط في أحوال السحر، والدجل، والخرافة؟ ومعلوم أن بلادنا تُتّهَم بالسحر، والشعوذة، حتى متعلِّمون وسياسيّون، يرتادون أوكارَ السّحَرة، والدجالين، وما الثقافة التي يدّعونها كذبًا، ما هي إلا كما قال عزّ وجلّ في كتابه العزيز [كمثَل الحِمار يحمِل أسفارًا] جمْع (سِفْر) وهو الكتاب. وبدلا من تمزيق مقالتيِ الفلسفة، ارتأيتُ أن أكتبَ حوْلَ ظاهرة السّحر، والدّجل، والشعوذة؛ هذه الآفة التي استشرتْ في بلادنا، بسبب الجهل، والأمّية، وجمود العقل، وخواء الذهن..
دَعْنا أوّلا نسأل (الفلسفة) التي يسْخر منها الجهلاء، عن ماهية السّحر، ومعانيه عبر العصور، ومضارّه بالنسبة للإنسان.. فما هو السّحر؟ أجابتِ الفلسفةُ: السِّحر في اللغة: الصّرف؛ تقول: سَحَرهُ عن كذا، يعني صرفَه، وأبعَدَه.. ويدلّ أيضا على ما لطف مَأْخَذُهُ، وعلى إخراج الباطل في صورة الحقّ، وعلى ما يفعله الإنسانُ من الحيل، وعلى ما يستعان به بالقرب من الشيطان.. ومعنى السحر في اللاتينية (ماجِيا) [MAGIA]، وهو صناعة المجوس الذين كانوا يعْبدون النار، أو الكواكب، ويعتقدون أنّ لها تأثيرًا في هذا العالم، وعنها تصْدر الخيراتُ، والشرور، والسعادةُ، والشقاء.. ثم أُطلِقَ هذا اللفظُ بعد ذلك على مزاولة النفوس الخبيثة أفعالا يترتّب عليها أمورٌ خارقة للعادة؛ أو صناعة التأثير في الطبيعة، بواسطة الطقوس، والرّقى، والأدوات، والأدوية..
لذلك قيل: إنّ السحرَ أوّلُ العلم؛ لأن الساحر الذي يزاول بعضَ الأفعال للتأثير في الطبيعة، يعتقد أنّ ظواهرَها مقيّدةٌ بقوانين، وأنه إذا استعان ببعض التدابير الخفية أوِ السّرية أو الشيطانية استطاع أن يغيّر مجراها.. والفرق بين السّاحر والعالِم، هو أنّ العالم يعرف بعلمه أنّه لا يستطيع أن يؤثّر في الطبيعة إلا بالخضوع لقوانينها؛ على حين أنّ الساحر يعتقد بجهله أنه يستطيع أن يغيّر مجرى الحوادث بأفعال، وأحوال، يترتّب عليها أمورٌ خارقةٌ للعادة، وهذا كلُّه ادّعاءٌ كاذبٌ، واعتقادٌ خادعٌ ينطلي على الجهلاء فقط.. لكنْ ما هو الفرق بين السّحر والدّين؟ إنّ السحرَ يجعل التأثير في الطبيعة متوقّفًا على الأفعال الخفية التي يزاولها السّاحر، على حين إنّ الدين يجعل كلّ تغيّر في مجرى الحوادث، متوقفا على إرادة الله عزّ وجلّ؛ وهنا نطرح سؤالاً على القارئ الكريم: من غيّر العالم، ووضع الأقمار في المدار، واخترع الأدويةَ، وكلّ الوسائل المرئية؛ العالِم أمِ السّاحر؟ ثم لماذا لم يطردِ السّحرةُ بسحرهم (إسرائيلَ) من [فلسطين] مثلا؟ سؤالٌ للنّبهاء فقط!
لقد رأينا السّحرةَ المكَرة، يدّعون طرْد الجنّ من جسْم مصاب بخلل عقلي أو مرض نفسي، فيضربون المريض ضربًا مبرحًا ويصْفعونه، ويقرؤون آيات بيّنات من كتاب الله، وهي كلها ترّهاتٌ، وسخافاتٌ تنطلي على الجُهّال، وما أكثرهم في بلادنا.. فمتى جعل الله عزّ وجلّ للجنّ سلطانًا على الإنسان؟ فقد جعل الله بيْننا وبيْنهم حجابًا؛ سأل أحدُهم الإمام [البصْري] في الموضوع قائلا: [يا تَقِيَّ الدّين، هل للجِنّ سلْطة على بني البشر؟]؛ فأجاب الإمامُ بسؤال واضح: [وماذا تقولون في شأن امرأةٍ أتَتْكُم بفاحشة، ثم ادّعتْ أنها متزوّجة من جِنّي؟]، فصمتَ الجميعُ، وقد فهموا سؤال الإمام، وما يعنيه على وجه الدّقة.. لكنْ ماذا تفعل إذا وجدتَ في كتب الدّين، روايةً كاذبةً، مفادُها [أن النبي الكريم سُحِر، حتى كان يُخَيّل إليه أنّه صنع شيئًا ولم يصنعْه]؟ وهذه الرواية تجعل الجهلاء يرتادون أوكار السّحرة؛ بل تضفي عليهم مصداقية، وهذا كذب، فالنبي عليه السلام كان معصومًا: [والله يَعْصِمُكَ من الناس] صدق الله العظيم. يقول الإمامُ [النّووي] في كتابه [المجموع]، إنّ حديثَ سحْر النبي متروكٌ، ومناقضٌ للقرآن.. ويقول الإمام [أبو بكر الجصّاص] في كتابه: [أحكام القرآن] إنّ حديث سِحْر النبي، هو منْ وضْعِ الملْحدين.. ويقول عزّ وجلّ في كتابه العزيز: [ولا يفلح السّاحرون]. فمن ذهب إلى ساحر، فقد كفر بما أُنزِل على [محمّد] عليه الصلاةُ والسلام.