*عبد المجيد مومر الزيراوي
تمادى رجل الأعمال نور الدين عيوش في النطق بالكلام السفيه ،بل بلغت به الوقاحة إلى نعت كل من يخالفه الرأي بِلَفْظِ "الحمير" . و صدق القائل بالمثل العربي : عاش من عرف قدر نفسه ! ، فالجاهل نور عيوش أَنْضَحَ عِرْضَه ببذاءة لسانِه الذي يَنْهَلُ من قاموس الألفاظ القدحية في حق المكونات الثقافية المغربية . وَ يَا لَيْتَه إهتم بشؤون تسمين موارده المالية الريعية التي لا تحتاج إلى خبرة علمية و أهلية فكرية، عوض أن يحشر لسانه في لغو الحديث عن لغة القرآن الكريم.
و هكذا ننطلق في الرد الصريح على سفاهة الجاهل بكتاب الله نور عيوش الذي صرح لبعض الجرائد الإلكترونية بالقول أن الله أنزل القرآن بالدارجة، و أضاف عيوش عضو المجلس الأعلى للتربيةو التكوين ( وا حسرتاه) أن الدارجة سابقة للغة العربية و للإسلام ، كما دعا إلى ضرورة إنفتاح اللغة العربية على الدارجة و اللغات الأجنبية.
و قد يكفينا أن نُذَكر الجاهل بكتاب الله نور عيوش بالأيات الكريمة الواردة في سورة يوسف:" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلون" و في سورة الزمر : "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " .
ثم نسترسل بالتنبيه إلى أن عقل نور عيوش لجأ إلى محاولة توسيع دائرة النسف الهوياتي من خلال الزج بالمقدس في قضية تعليمية "بيداغوجية" لا تتطلب هذا الخلط الكبير و التغليط المُتعمَّد . إن السبب الحقيقي الذي جعل المُتَفَيْقِه نور عيوش يلجأ إلى هذا التكتيك الماكر في حربه الضروس على الهوية الوطنية المتعددة الروافد يتجسد في رغبته في خدمة مخطط تخريبي يتقمص فيه -زورا و بهتانا- شخصية المفكر الحداثي المخلص الذي يواجه الفكر المحافظ التقليداني .
إلا أننا كشباب حداثي شعبي نؤكد للجاهل بكتاب الله على أن الهوية الوطنية مثلما يحفظها و يحميها التعاقد الأسمى للأمة المغربية ، أنها ليست بضاعة إستهلاكية يتم الإتجار فيها وفق هوى لوبي المال و الإشهار الذي يمثله نور عيوش الدُّهْقَان المُتاجر بعقول البشر و الذي وضع هوية الوطن فوق كف عفريت التمييع و الإبتذال و الإفلاس القيمي.
أيضا ، يمكننا الجزم وفق مقاربة ثقافية بأن المغربيات و المغاربة على إمتداد ربوع الوطن المغربي المُوَحَّد لا يتحدثون بِلَهْجة دارِجة واحدة وحيدة ، و بالتالي فإعتماد مصطلحات لغوية "دارجة" تمثل بشكل خاص ثقافة فئة أو منطقة معينة مع تعميمها ضمن مقررات المدرسة العمومية يعتبر ضربًا لمبدأ التعدد الثقافي و يشكل تهديدًا لروابط التعايش بين مكونات المجتمع المغربي ، و كذلك تسفيهًا لفلسفة المعنى و الإنتماء عند الأجيال المغربية الصاعدة .
فالتمييز الثقافي الذي يتمظهر في إدراج كلمات من "العامية" دون باقي اللهجات الدارجة تحت مبررات بيداغوجية صرفة ، يدخل في خانة الإستبداد الثقافي ضد تنوع عادات الوجدان و اللسان و تنميط لادستوري و غير ديمقراطي لحركية العقل الشعبي. بشكل يستهدف إلغاء مبدأ التعددية النابعة من خصوصيات الثقافات المحلية، هذه الخصوصيات التي تحتضن قدرة مكونات المجتمع المغربي على الإنطلاق من جديد لرفع التحديات المستقبلية بشكل يضمن لنا الإنفتاح بكل ثقة على القيم الكونية البناءة التي تجعل من المنظومة التعليمية فضاءا منتجًا لأجيال جديدة وفق رؤية تربوية ثاقبة تعمل على تطوير دينامية المجتمع و المؤسسات و تفاعل العلاقات الاجتماعية مع زمن التقنية و الذكاء الاصطناعي . إذ يستحيل الإنتماء إلى الفسيفساء الحضاري العالمي إلاَّ بتقديم الإضافة النوعية للمنتوج الوطني الأصيل ، فلا كونية دون محلية و لا محلية دون الإعتناء بجذورها المُتَفَرِّعَة.
لذا يستوجب منا السير بالمدرسة العمومية نحو أفق متطور ضرورة تشكيل رؤية ثقافية تنويرية تتجاوز أسلوب الترقيع الجاهل نحو إبداع نمط تعليمي عقلاني يسري بين الشرائح الإجتماعية بتنوع خصوصياتها اللغوية ، وفق تشريح علمي يربط النتائج بالمقدمات و يجعل مجموع الثقافات المحلية مؤهلة و قادرة على الدفع بالوطن المغربي الواحد المُوَحَّد قصد اللحاق بالركب الحضاري المتقدم ، و هنا لا بد من التأكيد على أنه واهم من يعتقد أن خلفيته الثقافية و مرجعيته الفكرية هي الضامن الوحيد و الأوحد لتطوير المنظومة التعليمية و إصلاح أعطاب المدرسة العمومية .
و لا بأس أن نستحضر من جديد مثال النبتة التي نريد لها إيناعا خاصا ، وهي أيضا تريد محيطا خاصا. فلا بد أن نحتفظ لها بجذورها، إذ أن كل إستئصال لهذه الجذور يشكل في العمق إغتيالا للإيناع رغم التفنن في تجميل المزهرية ، وكل قطع لها هو حكم على النبتة بالذبول رغم كل أشكال الإحتفال اللحظي بزينة تسرَ الناظرين فقط . لأن منطلق النهوض بالمنظومة التعليمية و الرقي بالمنتوج المدرسي يتجسد في حماية التعدد و ضمان التعايش بين خصوصيات الثقافات المحلية و عقلانية تشبعها بالقيم الكونية الإنسانية النبيلة.
و منه فالإيناع "حداثة" و الجذور "شعبية" ، و بينهما فعالية و نجاعة المنظومة التعليمية و البيداغوجية التي تؤطر إيقاع الإيناع من داخل المشتل لا من خارجه ، تراهن على تفتح النبتة بقدر سقيها من جذورها، لأن المهمة التاريخية مضاعفة :
• الاعتناء بالحاضر في أفق الايناع .
• إستيعاب المستقبل ضمن حركية العقل و التاريخ.
*رئيس الإختيار الحداثي الشعبي