قبْل البداية، نقول لهذه الأحزاب الخائبة، والفاشلة، ما قاله في حقها هذا الشاعر، وقد أوصى في أبيات أخرى بهجر مقرّاتها وازدراء زعمائها:
أَرُوني بيْنكم رَجلاً * ركينًا واضح الحسب.. أَروني نصْفَ مفكّرٍ * أروني رُبْعَ محتسِب.. أروني حزبًا حَفِلاً * بأهل الفكر والأدب.. وماذا في مقرّاتكم * من التعليم والكتب.. وماذا في أوكاركم * من التِّبْيان والخُطَب.. وماذا في صُحفكم * سوى التمويه والكذب.. حصائدُ ألسُنٍ جرّتْ * إلى الويلات والكُرَب.. زعيمٌ لا خيْر فيه متملِّق * حُلْوُ اللّسان، وقلْبُه للطّمع يلتهب.. يعطيك مِن طرف اللّسان حلاوةً * ويرُوغُ منك كما يروغُ الثعلبُ.. يلقاك يحلف لك بأنّه عنْك مدافعُ * وإذا توارى عنك فهو العقرب..
أليست هذه صفاتٍ، وخصالَ المتحزّبين إلا من رحم ربك؟ أليس هذا ما أصاب البلادَ والعبادَ، والأموالَ، من سياسة أهل الشّقاق، الذين انقضُّوا على رقابنا؟ أهناك خيرٌ يُنتظر منهم، وقد وعد الله عزّ وجلّ بأنّه لن يجري خيرًا على أيدي الكذَبة؟ فماذا ننتظر لنحوّل مقرّاتهم إلى مراكزَ صحّية، أو تعليمية، نافعة للشعب والوطن؟ لكن يجب أولاً محوُها ورميُها في المزبلة الخلفية للتاريخ، ولكنْ كيف يتمّ ذلك؟
أوّلاً يجب تقليصُ عدد هذه الأحزاب إلى ثلاثة أو خمسة أو سبعة كما هو معمولٌ به في الدول الديموقراطية، بحيث يتم جمعُ الأحزاب التي تتشابه إيديولوجياتُها، وأدبياتُها وبرامجها في حظيرة حزب واحد؛ هذا إذا كان لها أتباع ومنخرطون؛ وأما التي لها فقط مقرّاتٌ معَنْكَبة، ولافتات، وواجهات خادعة، فتُمْحى من الخريطة السياسية ببلادنا؛ والحزب الذي شُكِّل من عدة أحزاب قزمية، يفرض عليه قانونٌ يمنع أمينَه من الترشح لأمانة هذا الحزب أكثر من مرّتين.. كما يجب أن يسطّرَ قانونٌ، يمنع هذه الأحزاب من دعْم الدولة المالي؛ فكلّ حزب ينبغي أن يتكفّلَ بنفقاته، وبمصاريفه، خلال الحملات الانتخابية، وكذلك جريدته لسان حاله؛ وإذا أعوزتْه القدراتُ المالية، فما عليه إلاّ أن يحلَّ نفسَه، ويختفي إلى غير رجعة من الوجود.. فهذه الأموال الطائلة تُدفعُ كدعم لهذه الأحزاب، والشعب أولى بها ما دام هذا المالُ مالَه..
ثانيا يُمنَع إنشاءُ أيّ حزب على خلفية دينية، احترامًا للدّين، وإبعاده من أسواق المتاجرة به في ميدان السياسة، أو استغلاله في الحملات الانتخابية، بهدف كسب أو جلب منخرطين، لأن الدّينَ له مَن يحميه، ويقوم على شؤونه، وهو أمير المؤمنين.. فجلالتُه له أربع وظائف: فهو السُّلطان، يعني الحكَم في ما ينْشب بين القبائل من خلافات، حوْل المراعي، أو مصادر المياه، وقسْ على ذلك، حيث يكون تحكيمُه نافذًا، غيْر قابل للمناقشة؛ وهو أمير المؤمنين، وظيفتُه حماية القيم، والأخلاق، والملّة والدّين، ومن حقّه إصدارُ الفتوى في أمور تخصّ عقيدةَ الأمّة؛ وهو الملك، وتربطه بالأمّة أواصرُ البيعة، وهي تتقدّم على أيّ قانون وضْعي قابِل للتغيير أو التعديل؛ وهو رئيس الدولة بالمعنى السياسي للكلمة، وقد يدعو الشعبَ إلى استفتاءٍ حوْل تعديل دستوري أو سَنِّ قانون جديد يخصّ تدبيرَ شؤون البلاد مثلاً؛ وهذه الوظائف كلّها يجب على الأحزاب احترامُها، والتقيّد الصارم بها، وإذا أخلّ حزبٌ بواحدة منها، كان مآلُه المساءلة في هذا الشأن، وقد يؤدّي ذلك إلى حلّه، وجعْله هيئة سياسية محظورة في البلاد لمساسه بثوابت الأمّة..
ثالثًا، إذا طال لسانُ عضوٍ في حزب، وتطاول على شخص الملك أو الملكية، وجب على الحزب استبعادُه، أو تجميد عضويته، بالإضافة إلى صدور بيان يبرّئ الحزبَ ممّا قاله هذا العضو، وأن يُعمَّمَ البيانُ على كافة وسائل الإعلام الوطنية، مع نشره في الصفحة الأولى من جريدة الحزب.. وإذا نظّم حزبٌ مؤتمرًا أو تجمّعًا، واستدعى منظّمات مشبوهة تنادي بالشذوذ، أو الإخلال بقيم الأمّة، أو معادية لوحْدتنا الترابية، فإن هذا المؤتمر يُمنعُ فورًا، أما إذا كان لحزب علاقاتٌ مع جهات أجنبية مشبوهة، أو يتلقّى دعمًا ماليا مشكوكا في مصدره، فإنّ هذا الحزب يتلقّى ملاحظةً صارمة، وعليه تقديمُ تفسير للدولة، وإلا اتُّخذتْ في حقه إجراءاتٌ، ويُمنع من المشاركة في الانتخابات، لأنّ الحرية التزامٌ بالمبادئ، ولها حدود، لا يجوز تجاوزُها، بأي مبرّر كان.. وإذا نظرنا بدقّة إلى فشل مؤسساتنا، وضُعْف وزرائنا، وتأزُّم أوضاعنا، وتفاقُم مشاكلنا، اكتشفنا أنّ السبب هو خرابُ وتهالُكُ هذه الأحزاب، التي تعرف فوضى داخلية على اعتبار أنّ من هذه الأحزاب، يتشكّل البرلمانُ، ومنها تتكوّن الحكومات، وإذا كانت هذه الأحزاب فاسدةً، فإنّ سياسة البلد ستكون فاسدة لا محالة؛ فمتى ننتبه لهذا الأمر؟!