أبو أمين
نتابع في هذه الحلقة تسليط الأضواء على من سموا أنفسهم بالعدميين والذين ظهروا في شريط بتوه على اليوتوب وهم يقارعون الخمر بمجون وفجور، غير عابئين بقيم المجتمع وأخلاقه، وضاربين عرض الحائط بالمبادئ العالمية للديمقراطية والحقوق العالمية للمشاهدين، ومخلين بكل الآداب والقيم الكونية، ومخترقين دون حشمة أو وقار، حقوق الأطفال القاصرين الذين يرتادون الإنترنت، ومقدمين نماذج سيئة عن المواطن المغربي الذي عرف باتزانه وتسامحه. وقد اختاروا لظهورهم تسمية “ملحمة العدميين”، ونعم الملحمة.
وقد اخترنا في هذه الإطلالات أن لا نجادلهم ولا نحاورهم فيما تداولوه في الفيديو المنشور، مادام كلامهم كان تحت وطأة الخمر، ومادام العاقل لا يمكنه مجادلة غير العاقل، سواء كان مجنونا أو مخمورا.
وقد تفادينا الحديث عن كل أعضاء المجموعة لأن من بينهم من سيق مكرها إلى هذا الفعل، ومنهم من تم تغليطه، ومنهم الباحثون عن الشهرة فقط، ومنهم من استيقظ في الصباح الموالي فلم يعرف ما صدر عنه من كلام بسبب التخدير والخمر، ومنهم من اتصل صباحا، منزعجا ومذعورا، بمنسقي هذه الندوة المنحطة والخبيثة، للمطالبة بحذف هذا الكلام أو ذاك.
فإذا كان تعريف “الماجن” في اللغة العربية هو الشخص قليل الحياء، الذي لا يبالي بما يقول، فإن من حق المواطن المغربي محاكمة منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي أوفدت إلينا ماجنا، ومستهترا بمسؤوليته الإدارية وبالمهام المناطة بالمنظمة الدولية التي يعمل بها، بل ومتطاولا على حقوق المواطنين في العقيدة والتسامح، والعيش بطمأنينة وسكينة، داخل المجتمع الذي ينتمون إليه.
ولكل هذه الدواعي والاعتبارات، اكتفينا فقط باختيار نموذج واحد من هذه المجموعة، وهو المارق أحمد رضى بنشمسي، لأنه قال في الشريط إنه يعتبر نفسه رائدا للعدميين في المغرب، وبالتالي فهو زعيم السفلة والتافهين.
وفي حلقة اليوم سنتحدث عن أحمد بنشمسي، بائع الأوهام، والمعروف بجبنه، والعابث بالديمقراطية وبمهنة الصحافة التي اتخذها مطية للكسب واللعب البهلواني.
سيحتج بنشمسي قائلا إنه لأول مرة يعامل إعلاميا بهذه النعوت والأوصاف، فنجيبه على الفور، نعم لأنك أولا، أنت من اخترت لنفسك صفة الغبي والوغد والعدمي، ثانيا، لأن كاتب هذه السطور يعرفك جيدا، وسبق له أن أسدى إليك خدمات في زمن اتزانك وثباتك، وخاصة بعد انتحار والدتك، حين توسلت إليه، والتمست منه التدخل لدى العديد من الزملاء كي لا يطنبوا في تفاصيل وأسباب انتحارها، رحمها الله برحمته وغفر لها ذنوبها وأفعالها.
فبنشمسي لمن لا يعرفه، بدأ حياته المهنية في أواخر التسعينيات بديوان كاتب الدولة في البيئة..
إذن فبنشمسي الذي يجلد الدولة اليوم هو من توسل له يوما أحد أقرباء والدته النافذين من عائلة عباس الفاسي كي يعمل مقابل 6700 درهم بديوان وزارة البيئة بإحدى أزقة شارع الأبطال.
لقد كانت مهمة بنشمسي بديوان كتابة الدولة هي قص الصحافة وتهييء الجذاذات وتجميع ما يكتب حول البيئة، ويشهد الذين عاشروه في هذه الفترة أنه كان مهمشا، وكان خجولا، وكان يتحاشى الظهور كثيرا أمام الوزير خشية وخوفا وتوجسا. ولطالما توسلت والدته، رحمها الله، إلى الوزير الراحل أحمد العراقي، كي يجد لابنها وظيفة داخل هياكل الدولة في السلم العاشر قبل أن يرحل إلى فرنسا فيوضب شهادة دبلوم السلك الثالث الذي يؤهله للسلم الحادي عشر.
والغريب أن الشاب رضى بنشمسي كان في هذه الفترة أكثر تشبثا بالقيمة خجولا، حتى أنه كان يتفادى الاختلاء بالنساء، أو التعامل معهن.
لكن سلوك العدمية لم يتسرب إلى رضا بنشمسي، إلا حين بدأ يتلهف ساعيا وراء الاغتناء السريع، وكسب المال بدون محاسبة. وهنا تغيرت أحواله بشكل ثوري، وأصبح يكره المجتمع المغربي، لأنه لا يرى فيه سوى جماعات متنافرة من المنافقين، والمتعاطين للدين خوفا من النار، أو هروبا من الحقيقة.
وفي هذه الفترة بالذات بدأت ملامح اليأس، والسوداوية، وانفصام الشخصية تتسرب إلى شخصيته التي كانت أكثر هدوءا فيما قبل، ولم تستطع سفينته الرسو على بر الأمان، بل تقاذفتها أمواج البحث عن الأموال، ومشاعر السخط على الذات والمجتمع، قبل أن يثور على الدين والمعتقدات، وخاصة فرائض الإسلام الأساسية، كالصلاة والحج والصوم. فكل هذه الشعائر ليست بالنسبة إليه سوى نفاقا اجتماعيا، وتملقا عقائديا، وبالتالي أصبح يشهر فطوره خلال شهر رمضان أمام الصحفيين.
وبعد تأسيس مجلتي “تيل كيل” و”نيشان” ارتمى بنشمسي في أحضان الأمير الثائر مولاي هشام، ليستفيد بدوره من بحبوحة المال السخي، مقابل مقالات هائجة وشاذة، بل وثائرة على المجتمع والحكم والسلطة.
وعن هذه الفترة بالذات، قال الصحفي علي المرابط، في مقال مطول بصحيفة “الناس”، إن بنشمسي كان من زمرة زملائه الباحثين عن الحظوة والمال، بل وصفه بالموجودين ضمن قائمة من أسماهم بأصحاب “الطلبات الخطية”، التي كان يستجيب لها الأمير، فيسارع أصحابها إلى الكتابة الثائرة، كيدا في النظام.
علي المرابط أوضح أيضا أن بنشمسي، وبعد أن رتّب مغادرته لأسبوعية “تيل كيل”، تقدم بطلب للتسجيل في جامعة “يال” الأمريكية، وكان يعتقد أنه سيبهر الأمريكيين بشهادة السلك الثالث، التي حصل عليها من باريس في العلوم السياسية، ففوجئ برفض طلبه لأن الجامعة الأمريكية اعتبرت حينها الإدلاء بهذه الشهادة، نوعا من النصب والاحتيال.
ونزع رفيق الماضي ورقة التوت التي كان يتستر بها بنشمسي، فشرح حقيقة الشهادة التي يفتخر بها، وكيف اعتبرتها الجامعة الأمريكية نصبا عليها، ذلك أن الأمر يتعلق بنوعين من الشهادات، حيث النوع الأول لا يمكن الحصول عليه إلا بعد مباريات صعبة ومسار أكاديمي طويل، والنوع الثاني يمكن للجميع الحصول عليه وبدون أية مباريات، فقط بالتسجيل في السلك الثالث، كما هو الشأن بالنسبة إلى أي جامعة عمومية. وحكى نفس الصحفي في كتاباته ما وقع سنة 2005، حين أصدر القاضي العلوي حكما بمنع لمرابط عشر سنوات من مزاولة مهنة الصحافة، وكيف اتصل محمد حفيظ، مدير أسبوعية «الصحيفة» آنذاك، ببعض مديري الصحف المغربية الناطقة باللغتين الفرنسية والعربية، مقترحا عليهم القيام برد فعل مشترك للتنديد بالحكم، عبر نشر افتتاحية مشتركة للاحتجاج ولاستنكار الإدانة، وكيف أن بنشمسي كان المدير الوحيد الذي رفض رفضا قطعا تلك الفكرة، معللا موقفه بأنه يتحاشى الدخول في مواجهة مع الدولة، لأن همه كان هو جلب الأموال فقط وتكديسها لغرض كان يخطط له حينها، لعله الفرار بثروته من المغرب، لطلب الإقامة لدى دولة أخرى.
بل إن بنشمسي أثناء محاكماته في السنوات التي تلت هذه الفترة، كان يرفض دائما تضامن الصحفيين معه، وكان يتوسل اليهم قائلا إنه هو من أخطأ فيما نشره، وإنه سيتفاوض من أجل حل مشاكله، وبأنه يرفض أي تعبئة أو تضامن معه: “أنا ما با غيش الصداع مع الدولة، حتى نغبّر كمارتي”.
في هذه الفترة، أصبح الصحفيون التواقون للتناوش مع الدولة، متأكدين من خيانة رضا بنشمسي لمراميهم، خاصة أنه انقلب في هذه المرحلة لمناصرة الدولة، كما ورد في تصريحات المزعج الكبير حينها علي لمرابط.
وفي هذه الفترة بالذات، تبين للصحفيين العاملين مع بنشمسي أن هذا الأخير يخفي شيئا ما لم يستطيعوا فك رموزه، ومنها أنه أصبح يرفض نشر المقالات المناوئة أو المزعجة، بل وأحيانا يمزقها ويلقي بها في سلة المهملات.
ولم تتبين حقيقة الأمور إلا حين قرر بيع مجلة “تيل كيل” بمبلغ 8 ملايين درهم، التي لم يظهر لها أثر في البنوك المغربية، كما لم يظهر أي أثر لأحمد رضا بنشمسي قبل أن يطفو من جديد بعد أن أوهم المنظمة التي يعمل فيها حاليا “هيومن رايتس ووتش” بمعلومات مغلوطة عن شخصه ودراساته وكفاءاته، ويصبح مديرا للتواصل والترافع بهياكلها.
وفي رسالة الإثنين القادم سنرفع الإيقاع شيئا ما، لنسائل هذه المنظمة بالذات أي “هيومن رايتس ووتش” هل ترضى بمدير للتواصل، وهو يشهر شرب الخمر في شرائط منشورة، ويظهر في فيديو وهو يعاقر المنحرفين وخفافيش الظلام.
فهل سبق للمدير العام لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أن ظهر بمظهر مشابه أو مماثل؟ وهل يسمح لمسؤولي هذه المنظمة بالسفر إلى دول العالم لضرب قيمها وعاداتها وتقاليدها أم للدفاع عن الحقوق الإنسانية؟
وهل تريد هذه المنظمة استبدال مفاهيمها للدفاع عن حقوق الإنسان بمفاهيم جديدة لاحتقار الديانات والمبادئ الكونية وللدفاع عن تصرفات تخدش مشاعر أمة؟