أولى التعاقد الدستوري المغربي لسنة 2011، مكانة هامة في الهندسة الدستورية للحكامة الجيدة، وخصص لها بابا كاملا وهو الباب الثاني عشر الذي يتكون من 17 فصلا: من الفصل 154 إلى الفصل 171، ومن هنا تظهر الأهمية التي كرسها المشرع الدستوري لموضوع الحكامة باعتباره موضوعا يفتح الباب نحو الديمقراطية السليمة التي هي عماد التشريعات، والتي تقوم على مبادئ عامة ترسخ الاختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه. وهذا ما تبناه المشرع الدستوري المغربي وذلك بدسترته مجموعة من المقتضيات الهامة وتقنينه لمجموعة من المؤسسات والهيئات في فصول الدستور.
فمطلب إسقاط الفساد، هو سؤال راهني مطروح بحدة، رغم أن حكومات ما بعد دستور 2011 تماطلت في أجرأة قوانينه التنظيمية ومؤسساته.
إن محاربة الفساد، يظل ضروة مركزية، بدونه لا مجال لتفعيل الإصلاح، الذي يتم عبر تكريس قيم الحكامة الجيدة، ومواجهة كل أشكال العبث الحكومي، بأحكام الدستور، فالسياسات العمومية، توضح بكون أحزاب التحالف الحكومي، وأكثر من 7 سنوات، نجدها عاجزة عن مواجهة هذه المعضلة.
إن بطء العمل الحكومي في مجال محاربة الفساد، واقتصاد الريع، يكشف عن انعدام رؤية إصلاحية حقيقية، وفشل الإجراءات المتخذة في تنزيل القيم الدستورية، من حيث ترسيخ الحكامة الجيدة، وعدم الإفلات من العقاب. وربط المسؤولية بالمحاسبة. فلا يمكن لأحزاب، تقودها زعامات شعبوية، غارقة في الفساد واقتصاد الريع، أن تحظى بصفة الجدية والمصداقية، في وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد.
في ظل تزايد الوعي الشبابي، الذي يطرح سؤال أين الثروة؟ والذي عجزت حكومات ما بعد دستور 2011 عن تقديم إجابة واضحة بل بات ضمن باب المسكوت عليه في حكومة العثماني.
من هنا فإننا نستمر في طرح السؤال أين وصل مخطط أحزاب التحالف الحكومي لتنزيل الاستراتيجية الوطنية لإسقاط الفساد؟ خصوصا ونحن نعاين محاولة تكميم الأفواه من طرف القيادات الشعبوية الغارقة في غنائم الريع، فالسيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني والوزير المنتدب في إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، يستمران في لغة الخشب، وخطابات الإشهار الإعلامي، في حين إنهما لم يتخذا إجراءاتٍ حازمة وسريعة، تظهر نتائجها على أرض الواقع، من أجل وضع حد للتلاعب بالمال العمومي والمس بالمصالح العامة للشعب. وذلك من خلال تفعيل القوانين وتسهيل عمل مأمورية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقيام بعملها، وتكريس مزيد من الشفافية في مجال المعاملات المالية والصفقات العمومية، وهي خطوات أضحت ضروريةً، وقد تحدد مصير الحكومة الحالية والأغلبية، بالنظر إلى ما سيكون لها من أثر في الفترة المقبلة، سياسياً وانتخابياً. إنه وفي ظل تزايد الوعي الشعبي، وقدرته على ممارسة مزيد من الرقابة ومحاسبة حكومة سعد الدين العثماني، فإن القيادات الشعبوية التي تقبض بيد من حديد وترسخ اقتصاد الريع مطالبة بالاستجابة لمطالب الشباب في التجديد والتشبيب وتسليم مفاتيح الأحزاب إلى جيل جديد واعٍ ومسؤول، يغرس الأمل، وفق قيم الوطنية الصادقة والمواطنة في دولة الحقوق والحريات لما بعد دستور 2011.
ونختم بمقولة، شكيب أرسلان، يفكر الوطني بالأجيال القادمة.. أما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمة.