لا يخلو بلد من التجنيد الإجباري مهما بلغت درجته في التقدم والديمقراطية. وقليلة هي الدول التي تخلت عنه لأسباب اجتماعية تحاول اليوم العودة إليه. الدول التي تخلت عنه تشعر اليوم بالندم لأنها تخلت عن آلية كبيرة في التربية على المواطنة. والتجنيد الإجباري له قواعد وقوانين ناظمة تنطلق ممن يجب عليه ولوج هذه الخدمة ومن يتم إعفاؤه منها بالنظر لأوضاعه الاجتماعية والصحية والعائلية.
سيتم الشروع في مناقشة الموضوع داخل أروقة البرلمان في الدورة المقبلة، وسبق للمجلس الوزاري أن وافق عليه.
عندما تم طرحه عبرت فئات من المجتمع عن ارتياحها، لكن عارضته مجموعات أخرى ألفت المعارضة دون سبب حقيقي. التجنيد الإجباري لا يمكن إلا قبوله باعتباره الأداة الرئيسية للتربية على المواطنة، وأكثر من ذلك تعليم المواطن، منذ شبابه، الدفاع عن مقومات الوطن، والدفاع هنا ليس بمعناه العسكري والقتالي فقط، ولكن الدفاع عن هويته وقيمه، والدفاع عن مقومات وجوده ومحاربة كل أشكال الاعتداء عليه، سواء كانت ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو ديني.
معارضو التجنيد الإجباري مجموعات من المغرضين أو الكسالى، ففي كل ما في الخدمة العسكرية يعلم الشاب الانضباط والانصياع لنداء الوطن، وتنطلق المساواة والتربية عليها بدءا من البذلة العسكرية الموحدة، التي يرتديها ابن الغني مثلما يلبسها ابن الفقير، وانطلاقا من الوجبة الموحدة التي يأكلها الجميع ولا مجال للتمييز في ذلك، ومن هنا تدخل خوالج النفس دوافع كثيرة لقتل الأنانية.
لقد تم إقرار التجنيد الإجباري سنة 1966، أي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وتم إلغاؤه في عهد حكومة إدريس جطو سنة 2006، أي أنه عمر لمدة أربعين سنة، ويعرف المواطنون مدى إيجابياته الكبيرة، لكن ما معنى أن ينال مشروع للتربية على المواطنة بعض النقد السلبي؟ من رفض هذا التجنيد الإجباري هم التيارات العدمية.
لكن في مقابل هذا الرفض غير المنطقي هناك قبول بصدر رحب من قبل المغاربة بأغلبيتهم الساحقة، لأنه أحد مسالك التربية على المواطنة، التي كان يتلقاها الشباب في جمعيات الكشفية ودور الشباب والأحزاب السياسية، وكان المغربي يتلقى المبادئ الأولى للانتماء للوطن وهو صغير السن.
اليوم شباب كثيرون لا يحفظون النشيد الوطني بعد أن أصبحت المدرسة مكانا للتعليم فقط وليس للتربية مع العلم أن الوزارة تسمى وزارة التربية والتعليم. فليست جدران المدرسة مخصصة فقط لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة ولكن تربيتهم على الانتماء للوطن والإحساس به.
التجنيد الإجباري يعلم الانضباط ويحارب الفراغ والسلوك الهش لدى الشباب، خصوصا شباب الفيسبوك والواتساب. ليس في هذا إهانة لأحد ولا لهذا الجيل، غير المسؤول عن وضعه، وبالتالي التجنيد هو مجرد أداة لإعادة البوصلة للشباب الذي تاه مع التكنولوجيا الحديثة ولم يعد يربطه بقضايا المواطنة أي رابط ويعيش عولمة وهمية.