أولاً ألتمس من السيد القارئ، أن يتحمّلني لنُبْله، وكرمِه، لأنّي سأبدأ بمطبّات عانيتُ منها بسبب طبيعة مقالاتي، وأريد أن أحكيها للقارئ الكريم كشَكْوى، وكعملية تفريغ نفسانية إن صحّ التعبير، وله في الأخير، أن ينظر في الأمر ماذا يُرْجِع.. فيوم (السبت 23 رمضان 1420 ــ الموافق 01 يناير 2000) كتبتُ مقالاً صادما في إحدى جرائدنا الوطنية، وكان بعنوان: [ظاهرة الصهاينة العرب]، فوصفني أصحابُ الضّحالة الفكرية بالجنون.. بعدها كتبتُ مقالاً بعنوان: [الشواذ قادمون]، فوُصِفتُ كذلك بالحمق، والخلل العقلي.. بعدها كتبتُ مقالا بعنوان: [ظاهرة التشيع، وما جنتْه على أمّتنا]، فقالوا: هذا هُراء.. فأمّا ما تعلّق بالشذوذ، والتشيّع، فالقارئ الكريم، يعْلم ما كان من أمرهما، واعتذر لي مَن استنطقوني بهذا الخصوص، أو رموني بالجنون والحمق.. وأمّا بخصوص ظاهرة [الصهاينة العرب]، فبعد صدور مقالي بثمانية أيام بالتمام والكمال، عرضت قناةٌ فضائيةٌ عربية، برنامجًا تساءلتْ فيه: [هل هناك ما يسمّى بظاهرة الصهاينة العرب؟] واستضافت بعضًا منهم، مخفيةً أوجُهَهم؛ فقال لي منتقِدوني: [والله لقد كنت على حقّ، وما أنت بمجنون!].. وفي هذه المقالة سنعرض لهذه الظاهرة، وقد اتّسعَتْ.
في سنة [1983]، وخلال زيارة [جورج شولز] وزير خارجية [أمريكا] لـ[فرنسا]، حاصره الصّحفيون بأسئلتهم حول القضية الفلسطينية، في باب قصر [الإيليزي]، فأجاب غاضبًا: [إنّ هناك عربًا لا يرغبون في قيام دولة (فلسطين)، هذه هي الحقيقة التي يجب أن تعرفوها!]؛ فاستشاط بعض العربان غضبًا، فأجاب [البيتُ الأبيض] بأنّ وزير الخارجية قد أفرط في شُرب [الشّامبانيا]، فلم يكن يتحدّث عن وعي، وإنّما كان ثمِلاً فقط.. وظاهرة الصهاينة العرب، قديمة، وقد انتمى إليها كتّابٌ، ومفكّرون كبار اعتقادًا منهم أن الصّهيونية تتمتّع بالإنسانية، وستمكّن من دمقْرطة العالم العربي، وستقوم فيه ما يُسَمّى [حقوق الإنسان]؛ فانْبرى لهم (عبّاس محمود العقّاد) بالنقد في مقالاته، وسفّه آراءَهم، وحذّر منهم؛ ولا داعي الآن لذِكْر أسمائهم، لأنهم ثابوا، وصاروا من أَلدِّ خصوم الصهيونية، حتى لإنّ واحدًا منهم، كتب موسوعة من عشرين مجلّدًا، صارت مرجعًا للباحثين في اليهودية، وأصول الصهيونية البغيضة.. لنتّفِقْ أولاً على أنّ الصهيوني ليس بالضرورة يهوديًا، ولا شرطًا لها، ما دامتِ الصّهيونية نزعة عنصرية تتسم بكراهية الآخرين، مثْلُها مثْل النازية البغيضة؛ كما أنها لا تتورّع في استخدام كل الأساليب لتحقيق أهدافها، ومن أهمّها الاستيلاء على الأرض؛ وما تكُونه الصهيونية، يقول [إسحاق شامير] إنْ لم تكن هناك أراضٍ تقام عليها مستوطنات، وهي تجمّعات سكّانية؟ وهذه هي سياسة حزب [اللّيكود] الذي يتزعّمه [نتانياهو] تلميذ [شامير] قاتِل مبعوث الأمم المتحدة لـ[القدس] سنة (1949) الكونت [بيرنادوت] وهو من العائلة المالكة في [السويد]، ومنقذ اليهود بحافلاته البيضاء، سنة (1945).. كان الكونت [بيرنادوت] يريد تقسيمَ (القدس) بين عرب ويهود، ولكنْ..
في سنة [1995] انتشرت أسطورةُ [السلام]، وبدأ صحفيون، ومسرحيون، وفنّانون مغاربة يزورون [إسرائيل]، وقد أُطلقَ عليهم اسمُ: [الـمُهَرْوِلون] ولا داعي للتذكير بأسمائهم.. فأن تكون صهيونيا، يعني بكل بساطة، أن تقتنع بأفكارها، وأن تخدم سلامَها، وأن تطبّعَ مع الكيان الصهيوني، وهناك من العرب من يفعل هذا تحت عناوينَ شتى.. فالصهيونية كما يقول [شامير]: [مشروع طويل المدى، ومتعدّد الأبعاد، وأوّل بُعْدٍ له، هو جمْعُ اليهود على شكل شعب، على أرض واحدة.].. إن الصّهيونية توظّف عدة منظمات مشبوهة، تتخفّى وراء شعارات خادعة، ينتمي إليها عربٌ عن عِلْم ودون عِلْم؛ وهؤلاء الخونة، يحاولون تكسيرَ الحاجز النفسي عند الشعوب العربية، وبواسطتهم تخترق إسرائيلُ جلّ بلدان العرب، وبهذا الخصوص يقول [شيمون بيريز] في كتابه: [إنّ الحدودَ بفضل أصدقاء إسرائيل، سوف لن تبقى لها أية أهمّية بالنسبة للدولة الصهيونية.].. فالمنظمات الخادمة للصهيونية، مستشرية في عدة بلدان عربية، ومن أعضائها عربٌ، وبفضلهم كما قال [بيريز] ستتغلغل الصهيونية عن طريق الثقافة المنحرفة، والمؤتمرات المشبوهة، وستُدَمَّر الأمةُ عن طريق الاقتصاد، الذي يديره أفرادٌ همّهُم الربح، وبسياسة مغشوشة، تدّعي خدمة السلام، وسنعاني من سرطانات مزمنة، يفشيها الصهاينة العرب في بلدانهم.. هؤلاء، يمْكن أن تعرفهم من خلال سياساتهم المدمّرة للأوطان، والمتعبة للشعوب، والسارقة لأموال الأمّة، والمتخفّين في الأحزاب، والجمعيات، والمنظمات، ومنهم من يزور [إسرائيل] خلسة؛ فأفعالُهم تدلّل على صهيونيتهم، ما دامتِ الأفعالُ هي المدلّلة على ما يريده الإنسان.. هكذا!