«يركز السياسي على الانتخابات القادمة، بينما يركز رجل الدولة على الجيل القادم»، هكذا تكلم الكاتب والسياسي الفرنسي شاتوبريان.
فراغ النقاش السياسي الوطني، يكهرب الأجواء، والسياسيون الذين يتقاذفون المسؤولية فيما بينهم، يوسعون الهوة بين المواطن والمؤسسات، ويقوضون الأركان الأساسية لكل بناء ديمقراطي، ويزعزعون الثقة في الاستثمار في البلاد.
كان من المفروض على الأحزاب السياسية أن تعبئ مناضليها، فور إعلان الملك محمد السادس عن استنفاد النموذج التنموي للمغرب في خطاب أمام البرلمان في 13 أكتوبر 2017 ودعوته القوى الحية في البلاد إلى التفكير في نموذج جديد، وأن تستنفر مقراتها وتنظم فيها لقاءات مع خبراء محليين ودوليين، وأن تخرج باقتراحات ملموسة حول هذا النموذج التنموي الشامل والمندمج، الذي يقلص من نسب البطالة، ويقرب التفاوتات الطبقية والترابية.
الحوار البديل والمصطنع، الذي تقدمه لنا الطبقة السياسية، لا يسمح لنا بالتسامي، أو بتبني رؤية واضحة، لكنه يجرنا إلى الماضي فقط.
حزب الاستقلال يقترح تصالحا مع الريف بخصوص أحداث 1958. جواب خارج الموضوع للوضعية الراهنة… وكأن هذا الاجترار للتاريخ سيحل المشاكل العديدة والمتراكمة لشباب المنطقة، والتي تظل قابلة للحل.
جواب هذا الحزب كان من المفروض أن ينكب على معوقات التنمية، ومشاكل طبقة وسطى تفقر يوما بعد آخر، وعلى التشغيل وجلب الاستثمارات عوض الارتهان إلى ماضي دموي قطعا، لكنه بعيد الآن في الزمن، وتمت معالجته في خطاب أجدير العام 2001.
وعوض الوقوف على الماضي، أليس من الأحرى الآن التفكير في الوسائل التي بإمكانها أن تحول الريف إلى منطقة حرة تستقطب الاستثمارات، خصوصا الأوروبية وتحديدا الإيبرية؟ أخصائيونا في الفلاحة.. ألا يجدر بهم ابتكار أفكار وأساليب جديدة لمساعدة الفلاحين كما يحدث في دول أخرى أصبح فيها هم تحسين المردود الفلاحي أهم الأولويات؟ أية تخفيضات ضريبية لتشجيع السياحة في المنطقة؟ هذه هي الأفكار التي يجب على السياسيين الانكباب عليها، لأن الاستثمارات العمومية ومهما بلغت كثافتها، لن تحسن وضعية الطبقة الوسطى، ولن تحل مشاكل البطالة، على الرغم من أهمية الاستثمار العمومي ذي الجوة العالية للتنمية المحلية.
الوضع الحالي مثير للقلق. أحمد لحليمي، المفوض السامي في التخطيط، لا يتردد في دق ناقوس الخطر حول الاقتصاد الوطني. تدني القدرات الشرائية أصبح واضحا عند الأجراء، ويغذي احتقانا يقود إلى حركات اجتماعية متناثرة ومتنامية.
تفقير الطبقات الوسطى خطأ سياسي آخر، تتحمل مسؤوليته الحكومة الحالية على كل المستويات، بشكل يحولها إلى فئة اجتماعية هشة عوض أن تكون عامل استقرار. مغرب ما بعد الاستقلال مدين بالكثير لهذه الفئة الاجتماعية التي أثرت في المخططات السياسية والثقافية والاقتصادية. مشروع تحديث المجتمع يجب أن يرتكز على هذه الطبقة الاجتماعية، لأن مصالحها تصب في صميم هذا المشروع وقيمه. وعبر تفقير الطبقة الوسطى لا يسعى السياسيون اليوم إلا إلى نتائج تتعارض كليا مع الأهداف المعلنة.
الحكومة الحالية تتحمل الكثير من المسؤولية في هذا الباب، لكنها ليست الوحيدة. المؤسسات المنتخبة، والجماعات المحلية والجهات والبرلمان يتحملون مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الجهاز الحكومي. يجب تسطير رؤية واضحة لإعادة الثقة للمواطن المغربي.
الأمل رافعة تنمية مهمة، ورابط يجمل كل أطياف الشعب. دور السياسيين الأول هو تقويته، والباقي ترهات فقط.