اجتمع رئيسُ مجلس المستشارين (الزّائد عن الحاجة، الذّي يأكل أعضاؤُه أموال الأمّة سُحتًا وباطلا)، يوم الأربعاء 04 يوليوز 2018، بقدماء البرلمانيين، وشيوخهم بمقرّ البرلمان للدفاع عن (ريع) أسموه الحفاظ على تقاعد البرلمانيين، ضدّا على الشعب المغربي، بعدما لم يقفوا الموقفَ نفسَه تجاه حقٍّ ثابت يتمثّل في تقاعد الموظفين، والعمال، وكافة الكادحين.. فالمواطنون في الشارع المغربي، يتضاحكون ضحكات ممزوجة بالحسرة، والأسى، ويضربون كفّا بكف، وهم يرون البرلمانيين، يكدّون، ويجدّون ويزبدون، ويرغون للدفاع عن تقاعدهم، وهو موقف لم نألفْه منهم يوما في ما يخصّ الدفاع عن حقوق المواطنين، أو عن قضايا أخرى ترتبط بالوحدة الترابية، أو بقيم المجتمع، وباستقراره؛ وهذه كلها من ثوابت الأمّة، لم تعُدْ بتاتا من اهتمامات برلمانيّي الريع، والامتيازات، وتعدّد التعويضات..
ناقش المجتمِعون مع [بنشماس] مذكّرةً كانوا قد وجّهوها للفرق البرلمانية بمجلسَي (النُّوَام) والمستشارين الذين لا تجوز استشارتُهم شرعًا وقانونا، لدفاعهم البائس عمّا لا يجوز في أمّة فقيرة ملؤُوها بسياستهم همّا وغمّا، هذه المذكّرة استندوا فيها إلى خطاب ملكي في أكتوبر 1989، اقترح فيه جلالةُ الملك [الحسن الثاني] طيّب الله ثراه، إحداثَ معاشات للبرلمانيين؛ كان مجرّد (اقتراح)، وليس قرارا نافذا؛ فلو استطال العمر بجلالته رحمه الله، لألغى هذا التقاعد، ولألغى حتى مجلس المستشارين، وهو الذي قال في ما بعد للصّحفية الفرنسية [سان كلير] إنه يلغي بعض القرارات التي يكون قد اتخذها إذا ما رفضها الشعبُ، وظهر عدمُ جدواها.. من سنة (1989)، لم يتحدّثْ جلالتُه طيَّب الله ثراه ولو مرّةً واحدة مجدّدا عن تقاعد البرلمانيين؛ بل غضب منهم، وسفّههم، ووصف برلمانهم بـ[السيرك]، وفي هذا رفضٌ ضمنيٌ لهذا البرلمان، واعترافٌ بأنّ أعضاءَه (البهلوانيين) لا يستحقّون شرفَ لقبهم، ولا يستحقّون حتى تعويضاتِهم، فما بالُك بالتقاعد؛ ومعروف في اللغة أن تعبيرات الرفض تختلف لفظيًا، لكن المعنى واحد كما هو في القرآن الكريم..
نقول للبرلمانيين، والمستشارين، عساهم يستيقظون من سباتهم، ويعودون إلى رشدهم، إنّ مرحلة تقاعُد البرلمانيين ولّتْ، ونحن اليوم في مرحلة جديدة لها خصائصُها ومشاكلُها، فحتى القرآن الكريم يتضمّن آياتٍ نُسِخَتْ آيات سابقة وألغتْ أحكامَها وإنْ بقي رسمُها، ومن الآيات ما نسخه الزّمَنُ كملكات اليمين، والعبيد، وقسْ على ذلك؛ فتقاعُد البرلمانيين صار منسوخًا، وولّى زمانُه، وتطوّر المجتمعُ، وتكاثر أفرادُه، وظهرتْ مشاكل جديدة، مما يحتّم سياسةً جديدة، وبرلمانا جديدا يقطع مع الماضي، ومع كافة مظاهر الرّيع، والتبذير، وسوء التخوّض في أموال الأمّة.. فعدد البرلمانيين وجب تقليصُه، ومجلسُ المستشارين وجب حذفُه، لعدم جدواه في أمّة تثوق للنهوض، ولمجتمعٍ يحتّم الحفاظَ على الاستقرار؛ والاستقرار مرتبط بالحفاظ على قوت، وحقوق، وتقاعُد المواطنين؛ فالمجتمع ليس مستنقعًا راكضًا؛ بل هو في حركة دائبة لا تهدأ وإن لم يعرفها البرلمانيون لجهْلهم شدة بِطْنَتهم..
قال جلالةُ الملك (الحسن الثاني) طيّب الله ثراه، للصّحفية الفرنسية (سانت كلير): [إنّ الملكَ الذي سيأتي من بعْدي، سيكون مختلفًا عنّي؛ له سياستُه، ورؤاه، ولا أريده أن يكون نسخةً منّي؛ فهو ملكُ مرحلةٍ جديدة] وهو ما أثبته جلالة الملك [محمّد السادس] نصره الله، حيث عهْدُه، عرف تغييرات في الأمور المتحركة، ولم تُحفظْ إلاّ الثوابتُ كالدّين، والقيم، والأصالة؛ وهذا ما يحدث في كافّة العصور والأزمنة، وهو ما يؤكّده التاريخُ دائما.. وعلى هذا، نسوق مثالا لعلّه يكون دليلا قاطعًا في هذا السياق، وهو ما يتعلّق بالوحدة الترابية، وبقضية صحرائنا المسترجعة التي حُوفِظَ فيها على الاحتفال بعيد (المسيرة الخضراء) كأحد أمجادنا، وثوابتنا، ومفاخرنا؛ لكنْ كحلّ لهذا المشكل المفتعل، أبدع جلالة الملك (محمّد السادس) نصره الله، حلاّ يسمّى [الحُكْم الذّاتي]، رحّبتْ به كافّةُ دول العالم؛ لكنْ، في السابق، هل كان من الممكن الحديثُ عن (حكمٍ ذاتي) في صحرائنا المسترجعة؟ الجواب: كلاّ! فمن تجرّأ وقال به، كان مآله السّجن فورًا؛ كذلك هو حال من يتذرّع بخطاب (1989) في (2018) دفاعًا عن تقاعُد صار من الماضي، ولا تسمح به المرحلةُ.. أفيقُوا من غفوتكم يا قوم، وادخلوا في المرحلة الجديدة، وإلاّ اذهبوا إلى بيوتكم، فذاك خيْر لكم ولأمّة أتعبْتموها بجهلكم، وريعِكم، وجشعِكم؛ فهذا عصرٌ جديد لا يحتاج إلى أمثالكم؛ فهل أنتم فاعلون؟!