اعتبر عبد المطلب أعميار، أنه من حق الفاعل السياسي، والباحث الأكاديمي أن يصدر أحكاما نقدية تخص مكونات النسق السياسي، وطبيعة اشتغال المؤسسات -والملكية جزء من هذه المؤسسات ومكون من مكوناتها- غير أن ما آخذه الباحث أعميار على تصريحات حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، بشأن الملكية، اعتبرها تنطلق أساسا من توظيفه لبعض المفاهيم التي تعكس جوهر التصور السياسي للمسألة الديمقراطية عند العدالة والتنمية. وهو التصور المتعارض في العمق مع قواعد ومتطلبات التعددية السياسية، ومستلزمات الخيار الديمقراطي.
وأضاف أعميار في مقال توصلت جريدة "أنفاس بريس" بنسخة منه، أن توظيف حامي الدين لمفهوم "التفاوض" مع الملكية بشأن طبيعة النظام السياسي يطرح إشكالا حقيقيا على اعتبار أن التفاوض يقوم بين طرفي نزاع أو أكثر، بين دول أو تنظيمات من أجل التوصل لصيغ تسوية أو اتفاق كتبادل الأسرى، أو إقرار اتفاقية سلام، أو هدنة لوقف إطلاق النار، أو تسليم رهائن ..الخ. والحال، يقول أعميار، أن الدعوة لتحديث النظام السياسي القائم مع افتراض وجود مطالب إصلاحية بشأنه يتأسس على مفهوم التعاقد الذي تنخرط فيه سلميا كل مكونات المجتمع السياسي بدون تمييز أو غلبة أو هيمنة، وهوالذي يتجسد في الوثيقة الدستورية بوصفها نتاجا موضوعيا لروح التوافقات الكبرى التي تحدد طبيعة اشتغال المؤسسات الدستورية، وتوزيع السلط والوظائف والاختصاصات.
وبالعودة إلى اعتماد مفهوم "التفاوض" كما ورد على لسان حامي الدين يستند على ما أسماه ب " الشرعية الانتخابية" لحزب العدالة والتنمية، والتي يعتبرها " شرعية شعبية" تبرر مطالبته ب" التفاوض" مع الملكية، يقول أعميار "نحن إذن أمام توظيف مفاهيمي يستند على رؤية سياسية شمولية( توتاليتارية) تنطلق من مفهوم "الهيمنة" على باقي الأطراف وتنحية كل مكونات المجتمع وتعبيراته السياسية والمدنية والثقافية باسم "الشعب". وحتى مع الافتراض بأن هناك مطالب دستورية تخص توزيع السلط وتوازنها، ومطالب سياسية تخص تحديث النسق السياسي ككل، فالأمر لا يمر عبر المفاوضات .فنحن لسنا في حالة حرب، أو نزاع، أو تضارب مصالح بين منظمات وهيئات للتوصل إلى تسوية نزاع . بل وحتى في السنوات الطويلة التي عرفت توترا عنيفا بين النظام وعموم الحركة الديمقراطية لم يكن الحديث يوما عن المفاوضات مع القصر بل ظل المعجم السياسي المتداول يرتبط بمطالب الإصلاح الدستوري عبر المذكرات أو من خلال الحوار مع باقي الفرقاء السياسيين، ولن يكون حامي الدين، والحالة هاته، حالما بالملكية البرلمانية أكثر من العديد من رفاقنا في اليسار، ومع ذلك لم أقرأ ولم أسمع يوما بأن اليسار يريد التفاوض مع الملكية. بل كان دائما يطرح فكرة التعاقد الدستوري، شأنه في ذلك شأن عموم الحركة الديمقراطية التي ناضلت طويلا من أجل اقرار الاصلاحات السياسية الكبرى في البلاد. ومع ذلك، لم تطرح يوما فكرة "التفاوض" مع الملكية.
والقول إن العدالة والتنمية لها "تفويض شعبي" للتفاوض باسم الشعب "حول طبيعة النظام الملكي، حسب ما ورد في تصريحات حامي الدين، يعكس جوهر التمثلات السياسية في المشروع الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية والذي لا يؤمن بصناديق الاقتراع، ولا بالمؤسسات إلا كأدوات للاستفراد بالسلطة والتحكم في نموذج الدولة التي يحلم بها المشروع الايديولوجي الدعوي الذي يتأسس عليه حزب العدالة والتنمية.
ويختم عبد المطلب أعميار مقالته بالقول، إن مفهوم "التفويض الشعبي" كمقدمة نظرية لتبرير التفاوض حول نظام الحكم وطبيعته يتردد كثيرا في معجم العدالة والتنمية، وبموجبه يعتقد البيجيديون أنهم يمثلون الشعب.
وعلى الرغم من أن الحزب يدعي أنه قام بمراجعات نظرية وفكرية "أفضت الى تبني المفاهيم الحديثة في الخطاب، مثل الديمقراطية، والقبول بالآخر، والتعددية الحزبية، والتداول على السلطة..والتبني النهائي للعمل المدني والمؤسساتي" إلا أن العديد من المحطات تسمح بالكشف عن الورطة الإيديولوجية التي يتخبط فيها الحزب.