طالب سليمان الريسوني، الذي يشغل حاليا مهمة “المستشار الإعلامي” لتوفيق بوعشرين، بإطلاق سراح هذا الأخير بدعوى ظهور أدلة قاطعة وبراهين دامغة على براءته! والدليل هذه المرة -حسب تصوره- جاء من العاصمة بروكسيل، حيث تعتقل السلطات البلجيكية إحدى ضحايا توفيق بوعشرين وهي السيدة كوثر فال بتهمة “التجسس لفائدة المغرب”.
المستشار الإعلامي، ومحيط توفيق بوعشرين، يعتبرون كوثر فال هي نقطة تحول جذرية في قضية الاغتصاب وهتك العرض والاتجار بالبشر، لأنهم يمنّون النفس بأن توقيف المعنية بالأمر بالتهمة المزعومة “التجسس لفائدة المغرب”، هو دليل على “تقاطع قضية توفيق بوعشرين مع نظرية المؤامرة والخدمات المعلومة لفائدة الدولة”. فهم يقولون بكثير من (السطحية والتسنطيحة) بأن هذه الجاسوسة تم تجنيدها من طرف الدولة المغربية لاستهداف بلجيكا وتوفيق بوعشرين في آن واحد!
واللافت في هذا الموضوع، أن أي شخص عادي في مستوى متوسط من التبصر والنباهة والتمييز يستطيع أن يدرك بأن الشخص الموقوف من أجل التجسس لا يتم تطبيق مسطرة الترحيل في مواجهته كما هو الحال في قضية كوثر فال، ولا يتم تخويله صلاحية الطعن في قرار الإبعاد الصادر في حقه أمام المحكمة، وإنما يتم إيداعه في أعتى المؤسسات السجنية، وتحت حراسة أمنية مشددة، وتتم متابعته بقوانين الخيانة والتجسس والمس بالسلامة الخارجية للدولة، مع ما يستتبع ذلك من عقوبات سجنية مشددة في حالة ثبوت الجرائم المنسوبة إليه. ولنا في تاريخ محاكمة الجواسيس العبرة والدروس التي تؤكد هذا التوجه والمنحى.
والمعتقل من أجل التجسس، لا يتم إيداعه في مركز للمهاجرين الأجانب من أجل مباشرة مسطرة الترحيل والإبعاد في حقه، وإنما مكانه الطبيعي والقانوني هو المؤسسات السجنية الأكثر حراسة والأكثر صرامة في تطبيق إجراءات الأمن والسلامة. وهذا ليس هو حال السيدة كوثر فال، التي توجد حاليا في مركز للاحتفاظ بالأجانب رهن إجراءات الترحيل، لمخالفتها مقتضيات قانون الإقامة ونظام التأشيرة في بلجيكا.
وحتى لو افترضنا جدلا أن كوثر فال جاسوسة ومجندة مغربية، في تماهي حد التبني لمواقف محيط بوعشرين. هل كانت الدولة سوف تتركها تتخلّف عن جلسات محاكمة توفيق بوعشرين وهي تعلم أنها تمسك بيدها دليل إدانته؟ هل كانت الدولة ستكتفي بأن ترسل السيدة كوثر فال إشهادا إلى المحكمة عن طريق محاميها، تؤكد فيه أنها حريصة على متابعة المتهم توفيق بوعشرين؟ وهل كانت الدولة ستغامر بتجنيد كوثر فال للقيام بمهمتين متزامنتين وعلى قدر كبير من الأهمية، وهما التجسس على بلجيكا؛ والإيقاع بتوفيق بوعشرين!!!؟؟؟
فالمنطق في قضايا التجنيد والجاسوسية، حسب الأفلام والروايات البوليسية، هو أن يُجند العميل لمهمة واحدة، وأن يستدعى هذا العميل لاستكمال مهمته كلما كانت الحاجة الضرورية إليه. وإعمالا لهذا المنطق “السريالي” الذي يتبناه محيط توفيق بوعشرين، كان على الدولة أن تستدعي جاسوستها إلى قاعة المحكمة لتعزز موقف الإدانة في حق المتهم، بيد أنه في واقع الحال لا الدولة قامت بذلك، ولا كوثر فال بادرت بالحضور إلى المحكمة قبل توقيفها في بلجيكا، وهذا الموقف يطرح أكثر من علامة استفهام حول علاقات وتقاطعات بوعشرين وبلجيكا وكوثر فال؟
إن محيط توفيق بوعشرين يعلم يقينا بأن كوثر فال ليست معتقلة من أجل جريمة التجسس، وأنها تنتظرها مسطرة الإبعاد التي ستنتهي حتما بترحيلها إلى المغرب، وحينها ستكون مطالبة بالحضور إلى قاعة المحكمة لتأكيد إشهادها الذي سبق أن أدلى به محاميها، والذي أكدت فيه أنها حريصة على متابعة توفيق بوعشرين من أجل الاغتصاب والاستغلال الجنسي. ولعلّ هذا هو السبب الذي يبرر مبادرة بعض الأطراف إلى “تخوين هذه الضحية الجديدة واتهامها بالجاسوسية”، وذلك كرد فعل استباقي يروم التجريح في شهادتها وشكايتها حتى قبل حضورها إلى المحكمة.
فهم يتطلعون مرة أخرى لإيهام الرأي العام بأننا أمام “جاسوسة لا يعتد بشهادتها في حق المتهم”، مثلما راهنوا في السابق على مسوغات كثيرة أشهرها أن توفيق بوعشرين كان ضحية مؤامرة دولية تم التحريض عليها في الرياض، والتدبير لها في أبو ظبي، ومباركتها في الدوحة والتخطيط لها في الرباط… وفي آخر المطاف سوف تأتي الجاسوسة من بلجيكا في مأمورية سرية لإكمال المهمة.
وإذا كان هناك من جاسوس في قضية توفيق بوعشرين، فهو لن يكون بطبيعة الحال كوثر فال، وإنما هو ذاك المستشار الإعلامي الذي غادر موقعه الإخباري فور اعتقال توفيق بوعشرين، ليلتحق بجريدة هذا الأخير براتب شهري سمين(…) مع أجندة محددة قوامها “إشاعة فوضى الكذب والتجريح، وإرساء نظرية المؤامرة لتبرير الاغتصاب واستباحة جسد الضحايا بالكره والتعنيف”.