يرى [مونْتسكْيو: 1689 ــ 1755] وهو صاحب المؤلَّف الشهير بعنوان: [روح القوانين]، ألّفَه سنة [1748]؛ كان هذا الكتابُ شائعًا، حاول [مونْتسكيو] أن يفسّر فيه أصْل الدولة وطبيعة القوانين.. كان يفضّل الملكيَة الدستوريةَ على غيرها من الأنظمة، وهي أفضل أشكال الحكم، وهو صاحب نظرية فصْل السّلطات، وعلى الرّغم من أنه لم يَكُنْ ملحدًا، فإنه قد انتقد الكنيسةَ، ورجالَ الدّين بشدة.. لقد فضّل الملكيةَ، لأنّ قوامها (الفضيلة).. والسّؤال المطروح على ضوء ما سقناه هو: هَلِ الّذين يتولّون تدبير شؤون هذا الشعب، يتمتّعون بالفضائل في سلوكهم في ظل ملَكِيتِنا الشريفة؟ ثم تحدّث [مونْتسكيو] عن الحكومة فقال بالنص: [الأصلُ في الحكومة، تحقيقُ مطالب الشعب، ورعاية مصالح المواطنين، وحِفْظ حقوقهم؛ وكلّما كانت الحكومة أكثر ملاءَمة لمنازع الشعب، كانت هذه الحكومة إلى طبائع الأشياء أقْرب؛ والعمل في الحكومة، هو علمٌ، وفنٌّ؛ وعقلٌ، ووِجْدان.].. وعن الـمُفاضلة بيْن أهل الأمانة وأهل الكفاءة في الحكومة، قال [مونْتسكيو]: [في الواقع، يجب أن يتحلّى المسؤول الحكومي بالأمانة والكفاءة معًا؛ ولكنْ لـمّا كان اجتماعهما مستحيلا، فإنّي أفضّل أهْل الأمانة]..
فهلِ [العثماني] وزُمرتُه الذّئبية التي نسمّيها زُورًا وبهتانًا بالحكومة، أهْل أمانةٍ؟ حاشا ذلك! هل هم أهل كفاءة؟ أعوذ بالله أن أشهد زورًا.. ففي عهد [البيجدي] اتجهَتِ الأمّةُ نحو الهاوية، وقد وعدوا الشعبَ وعاهدوه، وطمأنوه، فبادتْ أحلامُه، وخابتْ آمالُه، ويقول عزّ وجلّ في كتابه الكريم بخصوص هؤلاء؛ هؤلاء القوم الفاسدين: [ومِنَ النّاس من يُعْجِبك قولُه في الحياة الدّنيا، ويَشْهد الله على ما في قلبه، وهو ألدّ الخصام] صدق الله العظيم. إن [العثماني] لا هو برجل أمانة، ولا هو بصاحب كفاءة؛ بل هو وصولي، وانتهازي (مدبّر على راسو)، لا تهمُّه أمّةٌ، ولا وطنٌ، ولا ملكيةٌ، ولا أخلاق، ولا هُمْ يحزنون.. فهو رئيس حكومة (صندوق النقد الدولي) ورئيسُ حكومة (برلمان تقاعد البرلمانيين) ورئيس حكومة التستر على اللصوص والمختلسين؛ وقد عرفتْ بلادُنا في عهده، مآسيَ لا تعدُّ ولا تُحْصى، ممّا يدلّل على أنّ طالعَه نحس، ولن يجريَ الله خيرًا على يد كذّاب مهين، يدافع عن اللصوص، ويحرص على مصالح حثالة القوم في هذا البلد الأمين بكلّ الوسائل.. لقد مكّن اللصوصَ من الحصانة، ووافق على تقاعُد البرلمانيين، رغْم أنّ البرلمان ليس وظيفةً، أو حرفةً، لكنّه محَق تقاعُدَ من أفنى عمرًا بأكمله بمشروع قانون، وافق عليه خمسة نوّاب فقط؛ بالله عليكم أليس هذا ظلمًا، ومكرًا، وخيانةً للأمانة؟ أجيبُوني أنتم!
والآن، ودون استحياء، صار يتستّر على المختلسين، واللّصوص، والخونة، ورموز الفساد ضدّا على الدستور، والقيم، والأخلاق؛ أليستْ هذه خيانةً يعاقبُ عليها القانون؟ أليس الصّامتُ عن الحقّ شيطانًا أخرس؟ أليس الفاسدُ هو من يتستّر على الفاسدين؟ ألم يكنْ من الأجدر عزْل [العثماني]، وجَرجرتُه أمام المحاكم، ومطالبتُه بردّ كلّ ما تقاضاه سحتًا وباطلاً من خزينة الأمّة؟ لقد رأينا ما حدث لرئيسة حكومة [كوريا الجنوبية] ووزرائها الفاسدين؛ وما حدث لرئيسة [البرازيل] السيدة [روسيف]؛ وما حدث مؤخّرًا لرئيس حكومة [إسبانيا] السيد [راخوي]، وكلّ ذلك بسبب الفساد، وصمْتهِم على الفاسدين، وبماذا يتميّز عليهم [العثماني] الذي يصمتُ على الفساد المستشري في البلاد، ويحافظ على (كرامة) الفاسدين، وقد صاروا بالأعداد؟!
في سنة [1996]، قطع مواطنٌ أصبعَه، وبعث به إلى البرلمان، احتجاجا على الفساد الذي اتّصفتْ به حكومة [اليابان]، فأسقط البرلمانُ تلك الحكومة الفاسدة، وقدّم رؤساءُ الأحزاب المشاركة فيها استقالتَهم من زعامة أحزابهم؛ أما في بلادنا، فَابْتُرْ ما شئْتَ من جسدك، فلن تُمسَّ شعرةٌ من الحكومة الفاسدة، قليلة الكفاءة، منعدمة الأمانة.. فكمْ من مواطن أحرق جسدَه؛ وكم من مواطن شنق نفسَه؛ فهل سمعتَ البرلمانَ يجتمع ليدرس هذه الحوادث، أو سمعت التلفزة تعلن الخبر؛ أو سمعتَ أحزابَ الذّل والهوان تعْقد اجتماعات حوْل هذه الحوادث، التي تعتبَر مآسيَ وطنية؟ أبدًا؛ لم ولن يحدث، ما دامتِ الرواتبُ العالية مضمونة، والتعويضاتُ المتعدّدة محفوظة، والمناصب العليا محصَّنة، والفاسدون في مأمن من سيف العدالة؛ والجرذان تنخر المؤسسات من الداخل، والسلب والنهب في خزينة الدولة مستمرّان دون خوف، باسم ديموقراطية داعرة، وباسمها تهوي البلاد إلى هوة سحيقة لا بارقة من أملٍ فيها..
صاحب المقال : فارس محمد