في موريتانيا لم نعد نفرق بين الفرد الموريتاني وأي مرتزق من البوليساريو ، فقد تَمَسْكَنَ البوليساريو الذي يعيش في موريتانيا شيئا فشيئا حتى تَـمَـكَّـنَ مُسْتَغِلاً طيبوبة الشعب الموريتاني وسذاجته ( السذاجة بالمعنى السلبي أي شعب أَهْبَلَ فاقد العقل والتمييز ) بل واستغل البوليساريو كذلك جُـبْـنَ الشعب الموريتاني الذي تلقى عدة هزائم على يد الجيش الجزائري المدعم بميليشيات البوليساريو حتى أذعنت موريتانيا نظاما وشعبا لكل نزوات ومطالب الجزائر والبوليساريو ، فبدأت عمليات نزوح ساكنة مخيمات الذل بتندوف في هجرة جماعية وفردية في اتجاه موريتانيا المفتوحة على مصراعيها للبوليساريو طيلة سنوات النزاع حتى تماهى البوليساريو في الشعب الموريتاني نهائيا ولم يعد - ونحن الآن في 2018 - للشعب الموريتاني وجود على الإطلاق ، بل لم تعد له هوية تميزه عن مرتزقة البوليساريو ، وفي يوم من الأيام سيتحول هذا التماهي إلى أن يصبح اسم موريتانيا " الجمهورية الموريتانية الصحراوية الوهمية ".... فكيف حدث ما حدث للموريتانيين ؟
الواضح للعيان أن الهيمنة الجزائرية المطلقة على البوليساريو جَـرَّتْ وراءَها - بقوة الدفع الطبيعية - جَـرَّتْ وراءها هيمنة البوليساريو على الحلقة الأكثر ضعفا في المنطقة المغاربية (وهي موريتانيا ) بل الحلقة الأكثراستعدادا للفناء وهي دويلة موريتانيا العجفاء التي صنعها المستعمر الفرنسي من فراغ - شاء من شاء وكره من كره - فحينما كان يقتطع المستعمر الفرنسي الأراضي من جميع الفضاءات الجغرافية التي كان يحتلها ، تلاعب بأراضي الجزائر والمغرب وموريتانيا والسينيغال وعمل على تفصيل وهندسة أراضي هذه الدول الأربع حسب مخططه استعماري الاستيطاني الذي ظهرت ملامحه من خلال محاولاته تحقيق استراتيجيته التي وضعها خلال 132 سنة من وجوده على أرض الجزائر ،ألا وهي أن تبقى الجزائر أرضا فرنسية إلى الأبد ، وفي خضم عمليات تحقيق هذه الاستراتيجية نَفَّذَ المستعمرُ الفرنسي لعبته الكبيرة التي تجلت في استعمال المقص الذي يقتطع به الأراضي من هنا وهناك ( بين الدول الأربع الجزائر –المغرب- موريتانيا والسينيغال ، حيث أعطى الأولوية لهندسة بناء الأرض الفرنسية التي كان ينوي ضمها بصفة نهائية للأراضي الفرنسية إلى الأبد وهي الجزائر ... من هنا بدأت تظهر ملامح أراضي شاسعة وقاحلة ( أكثر من مليون كلم مربع بقليل وهي موريتانيا ) كثافتها السكانية هزيلة جدا جدا ( لاتبلغ بالكاد 4 ملايين نسمة حسب إحصائيات 2017 ، فكم يا ترى كان عدد سكانها عام 1960 حينما رحل عنها الاستعمار ؟ ) وهي ما ستعرف فيما بعد – بفضل المستعمر الفرنسي - بالجمهورية الإسلامية الموريتانية التي صنعتها القوة الفرنسية عام 1960 رغم إرادة شعوب المنطقة المغاربية .. وهذه حقيقة تاريخية شاء من شاء وكره من كره .
أولا : البوليساريو تعترف بِتَسَلُّـِلهَا خلسة بين جلد وعظم الشعب الموريتاني :
نشر المدعو مولاي ابا بوزيد وهو أحد (الصحافيين ) من البوليساريو مقالا في الموقع الالكتروني " المستقبل الصحراوي" يعترف ويؤكد فيه أن البوليساريو نجح طيلة 40 سنة في التسلل بين جلود وعظام الشعب الموريتاني ، ولمن أراد التحقق من ذلك فالاعتراف منشور بعنوان " حاجتنا لسفارة في نواقشوط معنوية فقط لا أكثر " الصادر بتاريخ 04 يوليوز 2018 بالموقع الالكتروني المذكور.... وسأختصر أهم نقاطه وخاصة ما له علاقة بعنوان الموضوع وهي كما يلي : يقول بل يعترف صحفي البوليساريو مولاي ابا بوزيد بما يلي :
1) يدخل الصحراويون الى موريتانيا ويخرجون منها بالبطاقة الوطنية وليس بجواز السفر والفيزا( البطاقة الوطنية ( شرف الله قدركم ) أيها القراء هي تلك الخِرْقَة العفنة التي تعطيها عصابة الرابوني باسم الجمهورية الوهمية وهي غير معترف بها إلا في موريتانيا والجزائر وربما جنوب إفريقيا فقط لاغير، وهي سهلة التزوير ولا علاقة لها بأي نظام معلوماتي مركزي يضمن التحقق من الهوية ) وكذلك جواز السفر الذي تفوقه قيمة حفاظاتُ بوتفليقة التي تعرفون بأي شيء هي مملوءة ( شرف الله قدركم ) والتي حملها وسيحملها ما تبقى من عمره .
2) في موريتانيا نحن الصحراويين نعامل معاملة لا يحظى بها غيرنا من مواطني الدول الافريقية و العربية التي لها سفارات تعانق سماء نواقشوط .( يعترف هذا المرتزق بأن البوليساريو لهم نفس الحقوق التي للموريتانيين لكن ليست عليهم نفس الواجبات ، وفي هذا إهانة صارخة للشعب الموريتاني المغبون )
3) في موريتانيا نحن لسنا مسجلين كخطر “مفلوشين” ويسمح لنا بالتنقل بدون أن يطلب منا إذن العبور او إذن المهمة ( أورد ميسيون ) الامر الذي لا نحظى به أثناء تنقلنا بالجزائر الحليفة التي لنا بها سفارة و مكاتبنا وقنصلياتنا منتشرة في كل شبر منها ( هذا اعتراف بأن الجزائر تخاف من انتشار البوليساريو بين الشعب الجزائري حتى لا يندم حكام الجزائر على ذلك ذات يوم إذا أرادوا التخلص من سرطان البوليساريو ، مما يدل على أن الإدارة الجزائرية واعية بخطورة ما اقترفت يداها عندما افتعلت هذا النزاع ، عكس المُغفلين الموريتانيين الذين فغروا أفواههم وفتحوا أفخادهم للسرطان الذي ينخر جسمهم ويتسلل بين الجلدة والعظم منهم ، وسوف لن يجدوا له علاجا أبدا ذات يوم ، لأنه وباء دخل بين الجلد والعظم في كيان الموريتانيين الأصليين ، وبذلك سيؤدون ثمن تبعيتهم لحكام الجزائر الذين حفروا لهم حفرة في وسط موريتانيا بل في قاع موريتانيا أصبحت مستنقعا عفنا أغرقوا فيه وباء البوليساريو ، وهو وباء لن ينجوا منه الكيان الموريتاني والهوية الموريتانية التي لا شك ستفنى ذات يوم ) ...
4) في موريتانيا – يقول ابا بوزيد - يمكننا الاقامة في أي مدينة بالبطاقة الصحراوية وتتم معاملتنا وفق هذه البطاقة معاملة المواطنين ( وهنا مكمن الخطر الذي ارتكبه النظام الموريتاني حيث اختلط الحابل بالنابل ) معاملتنا وفق هذه البطاقة معاملة المواطنين ليست معاملة المقيمين الاجانب، الامر الذي لا نحظى به في دولة الحليف الجزائري ، إذ نحتاج لاستخراج إقامة حتى نتمكن من إقامة شرعية طويلة ، باستثناء الإقامة في تندوف ..( ومعلوم أن الاقامة في تندوف ليست إقامة بل هي إقبار لمجموعة من المساجين في مخيمات العار بتندوف يا ابا بوزيد ) ...
5) في موريتانيا لنا حق التملك كالموريتانيين و يمكننا شراء العقارات و الاراضي و تسجيلها وفق بطاقاتنا الوطنية ( الله أكبر ) وهذا أيضا لا نحظى به حتى في تيندوف... ( لنتصور ذات يوم استفاق الشعب الموريتاني وأنكر بطاقة البوليساريو التي لا قيمة لها ، فسيسترد الشعب الموريتاني كل ممتلكات البوليساريو في موريتانيا بحجة أنها ملكية بوثائق مزورة لأن ما بني على باطل فهو باطل ، إلا إذا أعلنت البوليساريو الحرب على موريتانيا واستولوا عليها عسكريا واستعمروها وهو أمرٌ مُحتمل جدا لأن الحرب التي ستخوضها البوليساريو هي حرب بالوكالة عن العسكر الجزائري وبالسلاح الجزائري بل وبالجيش الجزائري نفسه وإذاك ستصبح هناك دولة أخرى اسمها جمهورية الصحراء الموريتانية ، وقد تحذفون اسم موريتانيا من الخريطة نهائيا ، وفي هذه الحالة يحتاج الموريتانيون إلى شجاعة خارقة للعادة وهذا من عاشر المستحيلات لأن الجبن متأصل فيهم وهو الذي أوصل الشعب الموريتاني إلى أن يصبح غريبا في أرضه ) ...
6) في موريتانيا يمكننا دخول سوق العمل بدون أي وثائق و هذا لا يُمْنَحُ لنا إلا في موريتانيا.
7) في موريتانيا يمكننا ممارسة التجارة، و دون بطاقة تاجر، ودون إذن للتجارة، و هذا لا تمنحه لنا غير موريتانيا ....
ويستمر كاتب المقال معلقا على هذه الحظوة التي ينالها البوليساريو في موريتانيا ويزيد قائلا : " هذه لعمري مزايا المواطنة التي لا تمنح لغير المواطنين، و نحن نحظى بها، ونحظى بأكثر من هذه المزايا التي لا تمنح للصحراويين في أي مكان آخر إلا في موريتانيا.. وهذه المزايا لاتمنح في موريتانيا لاي كان إلا لنا نحن الصحراويين.( وبالمقابل تعاني المعارضة الموريتانية أبشع أنواع القمع والتهميش )...
ويضيف ابا بوزيد " هذه العلاقات و هذه المزايا على اختلاف و تعاقب الانظمة والحكومات في موريتانيا ظلت الثابت المتفق عليه، وهو مايعني ان مصدرها شعبي حيث إندماج تاريخ و ثقافة و أنساب و عادات الشعبين الضاربة في القدم.
انتهى كلام ابا بوزيد فماذا نستنتج من كل ذلك ؟
ثانيا : البوليساريو ابتلع موريتانيا بالترسانة العسكرية الجزائرية وجبن الشعب الموريتاني :
لقد ساهم النظام الموريتاني في قطع مراحل بعيدة المدى وخطيرة جدا في توطيد وتركيز علاقته بالبوليساريو ، وقد غامر العسكري الذي يحكم موريتانيا اليوم بالوجود والكيان والهوية الموريتانية ووضعها كلها في مهب الريح ، فهل يمكن إدراج انتفاضة الشيخ و العالم الموريتاني المعروف ومقدم الكثير من البرامج على قناة “المحظرة” الموريتانية، السيد حسن ولد محمد المختار ولد الإمام الجكني ، هل يمكن إدراج تصريحه بالتخلي عن الجنسية الموريتانية وعزمه مبايعة العاهل المغربي الملك محمد السادس، فور انتهاء مأمورية الرئيس الموريتاني الحالي الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، هل يمكن إدراج هذا الموقف في باب :أنه أدرك بحدسه واستشرافه للمستقبل أن البوليساريو قد ابتلعت الكيان الموريتاني نهائيا ؟؟
وقد عرف العالم كله أن هذا الانزلاق الاستراتيجي لحكام موريتانيا كانت مؤشراته تظهر منذ سلسلة الحروب المُذِلَّة والمهينة جدا لكرامة الشعب الموريتاني....
وإليكم كيف تطورت الأحداث حتى ابتلع البوليساريو ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الموريتانية :
1) بعد تمريغ كرامة الجيش الموريتاني في الوحل وإذلاله بهزائم مهينة على يد البوليساريو في هجومات على موريتانيا كانت أولها غزوة نواكشوط التي عَرْبَدَ فيها كومندو جزائري مدعم بميليشيات البوليساريو في شوارع نواكشوط يوم 9 يونيو 1976 والتي مات فيها مؤسس البوليساريو الوالي مصطفى السيد .
2) وللضغط أكثر على موريتانيا للانسحاب من محافظة وادي الذهب والاعتراف بجمهورية الوهم شنت قوات البوليساريو هجوما شرساً على مدينة " الزويرات " الموريتانية في 01 مايو 1977 تم فيها أسر المتعاونين الفرنسيين بمناجم الحديد الموريتانية .
3) وهناك معارك أخرى مُذِلَّة للجيش الموريتاني على يد كوموندهات جزائرية مدعمة بميليشيات البوليساريو نذكر منها معارك تنو شرت , وأدان , تيجكجة , تيشيت , باسكنو , ما يعتق , اجريف , ظبي بلال , اتميميشات , شوم , أنـال ,ونواقشوط مرة أخرى
4) كانت نتائج هذه الهزائم المُذِلَّة للموريتانيين أولها ظهور علامات انهيار الدولة الموريتانية بكاملها ، ثانيا التعجيل بتوقيع اتفاق سري بين موريتانيا والبوليساريو في منتصف عام 1979 تنسحب بموجبه موريتانيا من محافظة وادي الذهب وتسليمها للبوليساريو وفي نفس الوقت تعترف بها على أن يتم تنفيذ الانسحاب من وادي الذهب بعد ستة أشهر أي في مطلع عام 1980 ، لكن المرحوم الحسن الثاني تغدى بهم قبل أن يتعشوا به فدخل الجيش المغربي محافظة وادي الذهب في 14 غشت 1979 مما زاد الجزائر والبوليساريو حقدا وحنقا على الموريتانيين واتهموهم بالخيانة وبأنهم هم الذين أخبروا ملك المغرب بالاتفاقية السرية ، وهم الذين تماطلوا في تسليمهم وادي الذهب مما سيزيد من كراهية البوليساريو للموريتانيين ويعملون على غزو موريتانيا عسكريا وسياسيا وبشريا إلى درجة التماهي بين كيان وهمي اسمه الجمهورية الصحراوية وجمهورية موريتانيا .
5) بعد الاعتراف الموريتاني بالجمهورية الوهمية الذي كان بطعم الإهانة المُذِلَّة .
6) بعد السيطرة الجزائرية المطلقة على موريتانيا داخليا وخارجيا حتى أصبحت ذيلا ذليلا لحكام الجزائر واستمرار الضغط عليها حتى سحبت موريتانيا سفيرها من الرباط لأكثر من خمس سنوات ، ودفعت في اتجاه القطيعة مع المغرب رغم استمرار المغرب في سياسة ضبط النفس والإبقاء على شعرة معاوية مع موريتانيا وخاصة فيما يتعلق بالإبقاء على مِنَحِ الدراسة المدفوعة للطلبة الموريتانيين الذين يدرسون في المغرب بالإضافة إلى استمرار تدفق الخضر والسلع المغربية على الأسواق الموريتانية ..
7) بعد كل هذا وذاك أصبحت موريتانيا محتقرة في ذمة البوليساريو فنتج عن ذلك مهازل كثيرة .
ثالثا : وزير خارجية البوليساريو احتقر الموريتانيين حتى اعتقد أنه هو وزيرهم في الخارجية:
لقد غفل الموريتانيون عن هذه التطورات حتى دخل عليهم سيل التهور وطيش البوليساريو الذي ظهر سافرا في تطاول المسمى محمد سالم ولد السالك "وزير خارجية" جمهورية الوهم على السيادة الموريتانية بكل بجاحة وبكل غرور بأن موريتانيا أصبحت نهائيا وقطعا وبدون رجعة ،أصبحت تحت سيطرة البوليساريو أرضا وحكومة وشعبا ، ظهر ذلك عقب تصريحات أدلى بها في ندوة صحافية، على هامش انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، اتهم فيها رموزا موريتانية بـ"خيانة بلدها لصالح المغرب" ... وحسب بعض الصحف وبعض التعليقات فإن هذه التصريحات قوبلت باستهجان كبير من طرف الموريتانيين، الذين ذهب بعضهم إلى القول إن هذه التصريحات ستكون لها تبعات على العلاقات بين موريتانيا والجبهة الانفصالية، فيما ذهب آخرون إلى مطالبة هذه الأخيرة بالاعتذار.
وفي رأيي فإن الذين يقولون بأن ذلك التصريح قوبل باستهجان من طرف الموريتانيين فهو مجرد بهتان و كذب على النفس والبحث عن قشة يلوذون بها ووراءها لحفظ ماء الوجه الذي جف وانتهى ولم تعد فيه قطرة من كرامة مع غزو البوليساريو لبلادهم طيلة 40 سنة وهم يبحلقون بعيونهم ، ألم ينتبه الموريتانيون لذلك الخطر الذي أصبح اليوم واقعا لن ينفع معه اعتذار أو حتى الدعوة لقطع العلاقة مع البوليساريو لأنه كيف ستقطع العلاقة مع وباء قد لبسه الشعب الموريتاني وأصبح جزءا من جلدته ؟ وكيف يمكن – حسب ما اعترف به ابا بوزيد في ما ذكرناه سالفا ، بأن شعب البوليساريو أصبح بين الجلد والعظم في الجسم الموريتاني لا يمكن التخلص منه إلا بحرق الذات ؟ فهل سيحرق 4 ملايين من الشعب الموريتاني الجبان أجسامهم ؟ لقد سبق السيف العدل بعدما أصبحت موريتانيا ملحقة جزائرية ، وبعدما دفعت سلطات الجزائر بآلاف من البوليساريو للاستيطان في موريتانيا وبعدما نالوا الحظوة التي اعترف بها ابا بوزيد سابقا حتى أصبحت حظوتهم في موريتانيا تفوق حظوة الشعب الموريتاني نفسه بفضل الامتيازات المادية والمعنوية التي يتمتعون بها دون غيرهم وبدون استثناء....
عود على بدء :
منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز عام 2008 على الرئيس المدني المنتخب لأول مرة في تاريخ موريتانيا السيد محمد ولد الشيخ عبد الله ، وهذا الأخير هو الذي رقى ولد عبد العزيز إلى رتبة جنرال وهي أعلى رتبة عسكرية في موريتانيا كما جدد تكليفه أيضا بقيادة الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية فغدر به وأسقطه من سدة الحكم ، وهو في الحقيقة أسقط إرادة الشعب الموريتاني الذي انتخب أول رئيس مدني في تاريخه ، وسبب التعجيل بإسقاط الرئيس المدني السيد محمد ولد الشيخ عبد الله هو أن العسكر الحاكم في الجزائر لا ولن يقبل حكما مدنيا بجواره خاصة وأنه جرَّبَ نظاما مدنيا قبله قاده المختار ولد داداه الذي كان محاميا والذي يعتبره الكثير بأنه مؤسس موريتانيا الحديثة ، كما أن النظام الجزائري كان يعادي نظام المختار ولد داده لأنه مدني ولأنه اتفق مع المغرب لاقتسام الصحراء الغربية ، وباستثناء 16 شهرا قضتها موريتانيا تحت حكم مدني فمنذ الانقلاب العسكري على المختار ولد داداه وهي تُسَاسُ بواسطة العسكر إلى الآن ونحن في 2018 .. لقد وافق النظام العسكري في موريتانيا نظيره في الجزائر ، وأهم شيء انتفع منه نظام الجزائر بعودة العسكر للحكم في موريتانيا هو تدعيم وجود البوليساريو في موريتانيا فكان ذلك بمثابة متنفس للنظام الجزائري خاصة فيما يتعلق بنشاط الحركة التنقلية لعناصر البوليساريو وما أتاح لهم النظام العسكري في موريتانيا من حرية داخل التراب الموريتاني ، ويعتقد كثير من الملاحظين أن البوليساريو طَعَّمَ قياداته بعناصر من أصول موريتانية تقلدت مناصب عليا داخل هرم السلطة في جبهة البوليساريو في مواجهة العناصر من الأصول الصحراوية من الساقية الحمراء ووادي الذهب ، مثلما طَعَّمُوا الحركة بعناصر من أصول جزائرية ، ويبدو أن صورة نزاع الصحراء في المنطقة المغاربية بدأت تأخذ مسارا جديدا بعد أن أصبحت موريتانيا عنصرا تتحمل نفس القدر من المسؤولية التي يتحملها النظام الجزائري في تمديد عمر هذا النزاع المفتعل بعد أن أصبح عناصر البوليساريو يتحكمون في القرارات السياسية لدولة موريتانيا الضعيفة والتي تُسَاقُ من طرف النظام الجزائري ، ولما ابتلعتها جبهة البوليساريو أصبحت تُساق بما يسمى نظام المناولة ( maintenance)أي لقد أطلق النظام الجزائري يد حاكم موريتانيا لينوب عنه في تسيير شؤون البوليساريو في موريتانيا إلى أن أصبحت اليوم البوليساريو هي المسيطرة تماما وهي التي تسوق موريتانيا دولة وشعبا وأصبحت موريتانيا ترهب البوليساريو أكثر من ذي قبل ، لأن الأراضي الموريتانية التي لها حدود مع الشريط العازل للصحراء الغربية المغربية أصبحت أراضٍ تحت سلطة البوليساريو رغم أنف حكام موريتانيا و لا ينازعها فيها أحد والشعب الموريتاني يتفرج على هذه المهزلة ، ولتوضيح ذلك إليكم هذه الطريق السريالية التي تنعرج ما بين أراضٍ تقع في الشريط العازل التابعة للصحراء المغربية ، وأراضٍ موريتانية لا ينازع الموريتانيين عليها أي أحد لحد الساعة ، ولكن هي مع ذلك تقع تحت سيطرة البوليساريو ، والطريق السريالية المنعرجة بين الصحراء المغربية والأرض الموريتانية هي كما يلي : الانطلاقة من تندوف ( الجزائرية ) نحو بئر لحلو وتيفاريتي وأمغالا وامهيريز ( كلها في الشريط العازل الصحراوي المغربي ) ومنها إلى بئر أم غرين ( الموريتانية ) ثم العودة إلى مجيك ( في الشريط العازل ) ومنها نحو الزويرات ( الموريتانية ) ثم العودة إلى اغوينيت و زوك ( في الشريط العازل الصحراوي المغربي ) ومن هناك إلى بون لنوار ( الموريتانية ) وبعدها مباشرة إلى العاصمة الاقتصادية لموريتانيا وهي نواذيبو ومن تم يطلق البوليساريو ساقيه للريح تحت المظلة الموريتانية ليستعرض عضلاته في الكركرات وما أدراك ما الكركرات ...
من كل ذلك يتبين لنا أن النظام الموريتاني قد أصبح قزما لدرجة ابتلعه فيها البوليساريو ولعب به كيفما شاء لأن دولة موريتانيا أصبحت مثلها مثل دولة الجزائر ، باقتصاد منهار وغياب تنمية اجتماعية وانتشار البطالة وانتشار الفساد وهي كلها عوامل تجعل من الدولتين ( الجزائر وموريتانيا ) مثل القرد الهرم يضحك عليهما شردمة من المرتزقة أصبحت موردا للارتزاق بين الشياتين الكبار في الدولتين معا ، ولن يقبل الشياتة الكبار في الجزائر وموريتانيا أن يتم حل هذا المشكل المفتعل لأنه بقرة حلوب إذا ضاعت ضاع معها الفتات الذي يقتاتون منه .
لقد أصبح من العبث الحديث عن سلام أو حرب في المنطقة المغاربية بدون موريتانيا لأنها أصبحت برمتها كدولة هي الوكر الثاني للبوليساريو بعد الوكر الأول وهو تندوف ، ويمكن اعتبار لجوء عدد كبير من عصابة البوليساريو إلى موريتانيا هروبا من جحيم مخيمات الذل بتندوف خاصة إذا استحضرنا الحظوة التي ينالها البوليساريو في موريتانيا حسب مقالة ابا بوزيد المذكورة سابقا ، وربما لم يبق في تندوف سوى الأطفال والعجزة أما من له القدرة على قطع تلك المسافة بين تندوف و نواذيبو فلن يتأخر عن ذلك أبدا خاصة وأن النظام الموريتاني قد ضمن للبوليساريو التزود بالوقود طيلة تلك الطريق السريالية بالمجان لأن البنزين والمازوت وكل مشتقات النفط هو هدية من الشعب الجزائري إلى الشعب الموريتاني المُسْتَعْمَرِ وبرهانا على حسن الجوار الذي سيخفف جزءا كبيرا من الثقل الذي كانت تئن تحته الجزائر ، وهذا يدخل في باب مغامرة موريتانيا الخطيرة جدا جدا والتي عملت على غض الطرف عن عناصر البوليساريو النازخين خلال السنين الماضية من خلال طريق يمكن أن نسميها ( طريق الوحدة الاندماجية بين موريتانيا والبوليساريو من تندوف إلى نواذيبو).
لا شك وأن الشعب الموريتاني سيؤدي الثمن غاليا ، فقد رفض الانضمام إلى الصف المغربي لكنه سقط في المستنقع المؤامراتي الجزائري الذي من أسسه : الغموض في نسج العلاقات ، فالعلاقة بين عناصر البوليساريو والمجتمع الموريتاني عامة - حسب ما ذكر ابا بوزيد - غامضة ، بل مُغْرِقَة في الغموض ، فإذا رأينا اليوم أن الشعب الموريتاني شعب جبان ساذج هبيل فلا بد أن يستفيق لكنه إذا قدر الله واستفاق فسيؤدي االثمن غاليا جدا جدا خاصة إذا كان حكامه قد عقدوا صفقة مع النظام الجزائري لتوطين البوليساريو بدون استشارة الشعب الموريتاني ...
ومع ذلك لابد من أخذ مفاجأة الشيخ حسن ولد محمد المختار ولد الإمام الجكني في الاعتبار وهو الذي قرر التخلي عن الجنسية الموريتانية ومبايعة ملك المغرب ، وليس هناك دخان بدون نار ....
وإن غدا لناظره لقريب ....
سمير كرم خاص للجزائر تايمز