غداة التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، حول الأحكام الصادرة في حق معتقلي الريف، والتي وصلت في مجموعها إلى ما يزيد عن 300 سنة، نال منها ناصر الزفزافي 20 سنة سجنا نافذا رفقة 3 آخرين، لم يتأخر الرد المغربي.
وفي معرض رده على ما ورد في تقرير المنظمة استعرض مصدر رسمي مجموعة من الملاحظات والمؤاخذات على ما تضمنه التقرير.
انتقائية غير مبررة
واعتبر المصدر أن تقرير منظمة “أمنستي” انطوى على “انتقائية غير مبررة”، بعدما طالبت المنظمة السلطات المغربية ب“وجوب إلغاء أحكام الإدانة والأحكام القاسية الصادرة في حق معتقلي أحداث الحسيمة”، وهو المطلب الذي يستشف من منطوقه اللغوي ومقصده الاصطلاحي أن أمنستي مع إلغاء الأحكام القاضية بالإدانة والتي تكون عقوبتها قاسية، كالسجن لمدة 20 و15 سنة و10 سنوات، بيد أنها تؤيد ضمنيا الإبقاء على الأحكام القضائية الأخرى التي جاءت مخففة، كتلك التي قضت بالغرامة أو الحبس المحدد لأقل من خمس سنوات، مادام أنها لم تشمل هذه الأخيرة بقائمة مطالبها المرفوعة إلى السلطات المغربية ولم تشر إليها صراحة في التقرير.
واستدل المصدر على في تأكيده على “انتقائية” منظمة العفو الدولية وتخبطها بين الشيء ونقيضه، وبين تسويغ الفعل الإجرامي وتجريم الاستخدام المشروع للقوة، أنها طالبت في مستهل تقريرها السلطات المغربية بإلغاء الأحكام القاسية، بسبب ما اعتبرته “جور المحاكمات وسلمية الاحتجاجات والشك الذي تسرب إلى الأحكام”، قبل أن تتراجع على لسان مديرة برامجها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحصر مطالبها فقط في “إعادة محاكمة الأشخاص الذين يشتبه، إلى حد معقول، في أنهم مسؤولون عن جرائم جنائية”.
فالتقرير كان يتحدث جازما عن محتجين سلميين، مسوغا الأفعال الإجرامية الموجبة للإدانة، ومسدلا وصف “الجور والظلم” على المحاكمة والأحكام الصادرة، لكنه تراجع عن ذلك وطالب بإعادة المحاكمة، مع التلميح بأن من بين المدانين من يشتبه في مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم جنائية.
ووقف المصدر الرسمي كثيرا عند عبارة ” المسؤولين عن جرائم جنائية” التي وردت في تقرير منظمة العفو الدولية، والتي اعتبرها “إقرارا من معدي التقرير، من حيث لا يدرون، بخطورة الجرائم المرتكبة ومسؤولية بعض المتهمين عن اقترافها”! ألا يعني مصطلح ”المسؤولية” بأن المتهمين إما أنهم حرضوا أو أمروا أو ساهموا أو شاركوا في ارتكاب جرائم تقع تحت طائلة القانون؟ ألا تفيد عبارة ”جرائم جنائية” بأن الأفعال المرتكبة تنطوي على عناصر تأسيسية لجرائم تصنف في خانة الجنايات المعاقبة بالسجن، وأنها تتجاوز مستوى الجنح والمخالفات، يتساءل باستغراب شديد المصدر الرسمي.
وقال المصدر في هذا السياق: “فالذي يدعي بأن الأفعال المنسوبة لمعتقلي أحداث الحسيمة لا تتسم بوسم الفعل الجرمي، ولا تخرج عن نطاق الاحتجاجات السلمية المألوفة في دينامية المطالب الاجتماعية، لا ينبغي له أن يطالب بإعادة المحاكمة من أجل نفس الأفعال، التي سيقول عنها لاحقا بأنها تتعلق بجرائم جنائية” يشدد مرة أخرى المصدر الرسمي.
عموميات وهفوات
وآخذ المصدر ذاته على تقرير منظمة العفو الدولية أنه لم يكن دقيقا في صياغته القانونية والمفاهيمية، بل إنه اشتمل على “أخطاء غير مستساغة ولا يمكن قبول صدورها ممن يتولى الرقابة الحقوقية على العمل القضائي”.
وأوضح المصدر أن التقرير باللغة العربية لم يميز نهائيا بين “الحبس والسجن”، مع أن معيار التمييز بين المفردتين لغة واصطلاحا واضح جدا، فقد ظل التقرير يردد لفظة السجن حتى عند حديثه عن العقوبات السالبة للحرية التي كانت من أجل أفعال جنحية، وقضت فيها المحكمة بالحبس إما بسنة أو ثلاث سنوات.
وقد سقطت المنظمة، حسب المصدر، في الخطأ المفاهيمي نفسه، حتى في الصيغة الفرنسية للتقرير، عندما استعملت كلمة “l’emprisonnement” وهي تتحدث عن السجن لمدة 15 و20 سنة، وكان حريا بها أن تستعمل لفظة “réclusion criminelle “. “فالفرق شاسع بين المفهومين في المغزى والآثار القانونية، ومعايير التمييز القانونية بينهما صريحة وواضحة وتحددها مقتضيات القانون الوضعي”، يقول المصدر.
وأبدى المصدر استغرابه من ”كيف أن منظمة العفو الدولية تشتغل منذ زمن بعيد بالمغرب، ويخول لها ممارسة مهامها بكل حرية، ولا زالت لم تتمكن من فهم وتملك طبيعة ومستجدات التشريع المغربي، الذي يجعل من محاضر الشرطة القضائية في الجنايات مجرد بيانات للاستئناس فقط، ولا يعتد بها وبمضمونها كدليل قاطع. فالقاضي الجنائي يحكم بما راج أمامه ووفق اقتناعه الصميم”.
وخلص المصدر في هذا الصدد إلى أن حديث “أمنستي” عن “مخاوفها من بواعث قلق خطيرة تكتنف طبيعة ما يسمى الاعترافات المقدمة كدليل”، هي مخاوف غير مبررة، على اعتبار أن الاعتراف ليست له حجية مطلقة أو قوة ثبوتية دامغة في الجنايات، ولا يمكن الركون إليه لتأكيد الإدانة.
مزاعم التعذيب
وقال المصدر إن منظمة العفو الدولية استندت في تقريرها على مزاعم بالتعذيب تقدم بها بعض المتهمين، والتي قالت إنهم “تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك الضرب المبرح والخنق والتجريد والتهديد بالاغتصاب والإهانة، على أيدي الشرطة عند القبض عليهم، وأثناء الاستجواب، وأحياناً لإكراههم على “الاعتراف” بارتكاب جرائم”.
وعبر المصدر الرسمي عن اندهاشه من موقف المنظمة الذي تبنى جملة وتفصيلا ادعاءات ومزاعم لم تتحقق منها ليتسنى الجزم بوقوعها وترتيب مواقف رسمية على ضوئها، كما استغرب أيضا من حالة التماهي حد اليقين مع ادعاءات ثبت أنها كانت مغلوطة ومضللة، ومع ذلك تحتج بها منظمة امنستي ضد المغرب.
وشدد المصدر ذاته على أن جميع الأشخاص الذين عرضوا على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أكدوا في محاضر الاستنطاق، وحتى في تصريحات إعلامية لأعضاء في هيأة دفاعهم، أنهم لم يتعرضوا للتعذيب خلال مرحلة البحث التمهيدي، باستثناء ناصر الزفزافي الذي أصيب برضوض وجرح في مقدمة الرأس أثناء محاولته الفرار خلال عملية توقيفه بضواحي الحسيمة، وهي علامات جسدية تم توثيقها في محاضر القضية، ولا ترقى لتشكل عناصر تكوينية لجريمة التعذيب.
ولفت المصدر إلى أن العنف المشروع المصاحب لعملية التوقيف متى كانت هناك مقاومة من طرف المشتبه فيه إنما تدخل في نطاق الدفاع الشرعي، أو في إطار الاستخدام المشروع للقوة.
وفِي ختام تعقيبه، أبرز المصدر أن “الدينامية الاجتماعية بالمغرب تعرف تنظيم العديد من الأشكال الاحتجاجية بشكل يومي، وفِي مجالات متعددة وبسقف مطالب مختلفة. لكن انزلاق الاحتجاجات إلى أعمال شغب وعنف وتخريب الممتلكات العامة والخاصة والتحريض على قتل عناصر القوة العمومية وإضرام النار عمدا في أماكن إيوائهم…فإنها جرائم حق عام تنزع السلمية والطابع المشروع عن تلك الاحتجاجات وتسدل عليها الطابع الجنائي والصبغة الإجرامية”.
كما أكد ذات المصدر، بأن القضاء المغربي هو سلطة دستورية مستقلة، لا تقبل بإعادة الأحكام وإلغاء القاسي منها والإبقاء على المخفف. وإنما هناك آليات قانونية لمراجعة الأحكام القضائية عن طريق مسطرة الطعن أمام المحاكم الأعلى درجة، وما دون ذلك فيبقى مجرد كلام بعيد عن المنطق الحقوقي والقانوني.