بقلم: المختار لغزيوي
ولأن المونديال متوقف، في انتظار اسئتناف مباريات النصف فلابأس من العودة إلى مونديالنا المحلي، وإلى أحداثنا التي نعيشها بيننا على هاته الأرض والتي تستحق بعض التعليق.
لنتحدث مثلا عن جريمة حي المصلى بفاس. لا أدري بالنسبة لكم، لكنني توقفت طويلا عند استسهال القتل هذا، وعند استسهال نشره بين الناس.
لنتحدث بهدوء وبتفصيل أكثر. يتعلق الأمر بسيدة طعنت شابا قالت إنه اغتصبها في حي شعبي بفاس، بعد أن تقدمت ضده بشكاية لكن لا أحد التفت لها.
صور المصورون (الصحافيون الجدد أو الإعلام البديل أو ما شئت من التسميات التي لاتعني شيئا) الجريمة، وصوروا السيدة وهي تتحدث بعد ارتكابها بكل هدوء ودون أي إشكال، وصوروا طبعا الشاب وهو يخرج من فمه سكرات الموت بعنف شديد، قبل أن يصوروا لنا جثته هامدة وموضوعة فوق الطريق
أكثر من هذا سارع أناس معينون إلى القفز على هاته الجريمة النكراء، والتي لايمكن أن توصف إلا بالنكراء لكي يجدوا فيها تبريرا غبيا ومضحكا لتشكيكهم في القضاء وللقول "هاهي سيدة تقدمت بشكاية وتم حفظها فاضطرت لكي تخرج إلى الشارع ولكي تقتص بيدها من الذي اغتصبها".
هذا الأمر يسمى باختصار سريع ومعيب: السيبة. وهو محاولة تأصيل وتشريع لطالما سمعناها من العديدين لهذه الفوضى حين كانوا يشجعون المحاكم الشعبية أو الاقتصاص الجماعي من اللصوص أو تطبيق شرع اليد دونما انتظار أمن أو قضاء أو ما إليه.
عندما تأتي دعوات مثل هاته من جهات غير متعلمة أو أمية أو غير مكونة بشكل كاف نظريا قد تفهم الجهل الذي سببها. لكن عندماتأتي دعوات مماثلة من جهات يفترض أنها نالت نصيبا معينا من التعليم، وأن لديها وعيا كافيا يحميها من الوقوع بهاته الطريقة السخيفة في فخ التهليل لمنطق الفوضى، هنا نكون أمام سؤال كبير جدا يهم مستقبلنا ومشتركنا الجماعي الذي نتقاسمه مع هؤلاء والذي نخشى عليه في حال ما إذا وصلوا يوما إلى مركز من مراكز القرار أن يطبقوه بحذافيره و أن يفتحوا علينا بوابة اللعنة هاته المسماة الانتقام الفردي لكل ومن كل حالة نكون أمامها.
هذا التشكيك في المؤسسة القضائية قاده أيضا هؤلاء بعد أحكام الحسيمة، حيث أصبح بإمكان أي واحد دون أن يطلع على الملف ولا حيثياته ولا أسباب الحكم، ولا الحجج والبراهين الموجودة فيه أن يكتب باستسهال كبير "إنها أحكام قاسية، بل هي ظالمة، بل هي جائرة".
واليوم يمكن ملاحظة النزوع ذاته مع لجنة الدفاع عن مدير نشر تهم بالتحرش وهي تصدر بيانا عن نتائج الخبرة التقنية قبل خروج هذه الخبرة التقنية بنفسها!!!!بمعنى أن هؤلاء العلماء يعرفون مسبقا النتائج وهم مستغنون عن الخبرة التقنية التي يمكنها أن تشكل سندا علميا ودليل إثبات لكثير مما قيل وما كتب.
هذا الأمر غير مستغرب من هؤلاء فدفاع المتهم إياه رفض الخبرة التقنية في البدء، وقال إنه لايريدها ويعتبرها إضافية فقط، واليوم وبعد نزول قرار القيام بها وتكليف المركز العلمي للدرك الملكي بالأمر شرعت اللجنة العجيبة في البحث عن مبررات للتشكيك الإضافي منذ اللحظة.
لنتذكر أنهم شككوا قبلا في إعادة فتح ملف طالب قتل في الجامعة تسعينيات القرن الماضي ولنذكر أنهم يشككون دوما في كل شيء وأنهم زرعوا الأرض تماسيح وعفاريت وجهات وهمية وخفية يحملونها باستمرار وزر مالايستطيعون البوح به علنا.
الأخطر في الحكاية كلها، هي أن هاته الطبقة الواعية التي تشكك في القضاء وأحكامه ومساطره وتخوض حربا ضروسا ضده تعطي للطبقة الأقل تعليما منها العذر بل السبب الوجيه لعدم التفاعل نهائيا مع القضاء، إذ اليوم ما الذي سيمنع سائق سيارة قتل شابا في الطريق من رفض تنفيذ الحكم عليه بداعي أنه يشك في المساطر وأن المحاكمة لم تكن عادلة؟ ما الذي يمنع من اغتصب قاصرا أو أكثر من النفي والقول بأن الحجج دست عليه وأن الشهادات المجموعة ضد ملفقة ومحركة؟ ماالذي سيمنع الناس كلهم من سلك نفس السبيل الذي يسلكه هؤلاء ورفض التقاضي أصلا واقتراح العودة إما إلى محاكم الشارع التقليدية أو اقتراح ما هو أسوأ : العودة إلى السيوف والخناجر لتصفية الخلافات بيننا على طريقة الجاهلية والسلام؟
قضاؤنا ليس ملاكا والأخطاء تمسه مثلما تمس كل الميادين، لكنه بالمقابل ليس شيطانا بهذا الشكل الذي تريد إقناعنا به الآلية إياها لأسباب لا تخفى على حصيف.
هو ومؤسسات أخرى في المغرب قطعت أشواطا طويلة من إصلاح الذات، ولم تعد تربطها علاقة بماكانت عليه في الماضي، وإذا كنا نريد الإصلاح فعلا مااستطعنا فعلينا تشجيع هاته الخطوات لأجل المزيد منها مستقبلا، أما التيئيس والتشكيك وإحباط العزائم ولو باختلاق الأشياء، فنتيجته معروفة حفظ الله منها البلد على كل حال.