يقول الفيلسوف الألماني الشهير، زعيم [الفلْسفة النّقْدية] التي هَدَمتْ صروحَ [الفلسفة القطْعِيَة]، وأعني به [إيمانويل كانط: 1724 ــ 1804]: [شيْئان يمْلآني إعجابًا؛ السماءُ المرصّعة بالنجوم فوْق رأسي، والقانونُ الخُلقِي في نفسي.]؛ ويقول أميرُ الشعراء [أحمد شوقي]: [إنّما الأممُ الأخلاق ما بقيتْ ** فإنْ هُم ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا]؛ ولكن دَعْنا نرى ماهيةَ [الأخلاق، جمْعُ خُلُق]؟ الخلُقُ في اللغة، السّجِية، والطّبع، والعادة، والـمُروءة، والدّين؛ وهو في الاصطلاح حالُ النّفْس راسخة تصْدُر عنها الأفعالُ بسهولة ويسْرٍ، منْ غيْر حاجة إلى فكْر، وروية؛ وعلى ذلك، فغيرُ الراسخ من أحوال النفس، لا يكون خلُقًا، مثل ذلك، أنّ مَن يبْذل المالَ في أحوال عارضة، لا يُقال إنّ خُلُقَه السخاء، ما لم يثبِتْ ذلك في نفسه.. فما أكثر من يدّعون كذبًا بما ليس في أنفسهم..
وينقسم [الخلُق] إلى فضيلة ورذيلة؛ فأمّا الفضيلة فهي كما قال [أرسطو] وسَط بيْن الإفراط والتفريط؛ فإذا اعتبرنا النفسَ الإنسانية مؤلفة من ثلاث قوى: العقْلية، والشّهوانية، والغضبية، كانت الفضائلُ الأساسية ثلاثًا: الحكْمة، والعفّة، والشجاعة.. والخلق قد يكون حالاً للفرد أو حالا للجماعة، ويجمَع على أخلاق، فنقول أخلاقُ (زَيْد) أو أخلاق (عَمْرُو)؛ أخلاق (الغربيين) أو أخلاق (المغاربة)؛ والخلُق الكريم في فلسفة الأخلاق، هو أن يملكَ الفردُ نفسَه، وأن يكون سلوكُه ثابتًا، ومتماسكًا، ونبيلاً، وأن يتّصفَ بالعزم على الحفاظ على هذا السلوك المثالي.. ولزعزعة هذه الأخلاق الـمُثْلى في نفسية المواطن المغربي، ولجعْل هذه الرذائل، ونقْلها من حالٍ لأفراد إلى حالٍ لمجتمع، لذلك كانت ستُنظّم [الندوة حول الحريات] المذمومة يومي (22 و23 يونيو 2018) ببلادنا، وكأنّ ذلك ما ينقص البلاد، وما يحتاجه العباد؛ ويكفي أن نعرفَ هُوِيةَ مَن وراء هذه الندوة، ومَن وراء منظّمها، لتعرفَ حقيقةَ أهدافها؛ ولحسْن حظّنا مُنِعَت..
والسؤال المطروح هو: هل ذكر التاريخُ فلسفةً أو تيّارًا، أو اتّجاهًا، أو على االأقل جماعةً، نادتْ بهدم الأخلاق، وتركها، وازدرائها؟ الجواب: نعم! عرف التاريخُ جماعات نادتْ بترك الأخلاق، وأشاعتِ الفسوقَ والرّذيلة، نذْكر منها مثلاً: (القرامطة) الذين أفشوا الشذوذَ في الأُمّة؛ كما برزتْ مظاهرُ فسْقٍ في عصر (العُبَيْديين)، وعرف العصرُ (العبّاسي) ظاهرةَ (الغِلْمان، والخِصْيان)، حتى أفتى بجوازها [يحْيا بن الأكتم] وكان عالمًا، ومفسّرًا للقرآن، بالإضافة إلى كونه كان ألوطَ قاضٍ في عصره، ولـمّا بلغ السلطةَ، وأصبح قاضي القضاة، أباح الشذوذَ بتفسيره الشّاذ للآية [ونُزوِّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا] أي نرزقهم ذكريْن، أو ذكرا وأنثى، وأُنْثَيَيْن، لكنّ العالم الفاسق، والمسؤول الفاسد، شرح (نزوِّجُهم) على أنها تعني (الزّواج)؛ ثم أصدر قانونا يعاقب كلَّ مَن سَخِر من الشواذ، لأنه كان من بينهم قادة الجيش، ووزراء، ومسؤولون كبار، وكان لابدّ من احترام هؤلاء (الرجال المحترمين) الذين يخْدمون الأمةَ، ويَتْعبون في تسيير شؤونها؛ فكانت تلكم بوادرُ انهيار دولة (العبّاسيين) كما انهارت لنفس الأسباب دولة (العُبيْديين)..
لكنْ ماذا عن التيارات "الفلسفية"؟ لـمّا انقرض عصرُ [سقراط، وأفلاطون، وأرسطو] وغيرهم من الفلاسفة العظام، بدأتِ [اليونانُ] تنْزل إلى الحضيض، وهو ما يسمّى بالفرنسية (le déclin)؛ فبرزتْ تياراتٌ (فلسفيةٌ) شاذّة ومخرّبة، فلم يوجدْ مَن يحفظ تراثَ اليونان الفلسفي، والفكري، والعلمي، وهو ما جعل العالمَ يتأخّر كثيرًا في التقدم، والرّقي؛ وبشق الأنفس، عُثرَ على شيء من هذه العلوم في القرون الوسطى على يد [ابن رشد] ومَن أتى من بعده من المفكّرين.. ظهرتْ في [اليونان] في بداية انحطاطهم، فلسفاتٌ هدّامةٌ كان من أبرزها وأشدِّها خطورةً [الكلْبِيَة]: سِمةٌ للشخصية التي تتميّز بالاحتقار الصريح للقواعد الأخلاقية، تماما كما هو شأن منظّمي ندوات الدعارة، والمنادين بالفجور والرذائل ببلادنا.. ومدرسة (الكَلْبيين) التي وُجدَتْ في اليونان القديمة (القرن الرابع ق.م) كانت تتخذ موقف الاحتقار من الأخلاق، والعادات الحميدة؛ وقد أدّى بهم احتقارُهم لقواعد السلوك، إلى انتهاكات للفضيلة، وبالتالي فإن الناس الذين صاروا يتجاهلون بلا حياء قواعدَ الأخلاق أُطلِقَ عليهم اسم (الكلْبيين)؛ وترتبط النزعة (الكلْبية) بنقْص التطور الثقافي، والأنانية، وغيْر ذلك من السِّمات السّلبية، وهو ما يتّصف به أراذلُ القوم من مناكر باسم حرّية فاجرة..
صاحب المقال : فارس محمد