يجب التمييز بين التعليق على الأحكام و انتقادها و إبداء عدم الرضى عليها.... و بين ما يجرنا إليه البعض من تبخيس دور الجهاد القضائي كسلطة و تسفيه دور النيابة العامة كجهة إتهام التي تظل متابعتها للمتهمين خاضعة لمناقشة الدفاع و تقييم الهيئة التي تتظر في الملف.
ما يحدث اليوم، هو نفسه الذي حدث مع مختلف الوسائط من أحزاب و نقابات بعد أن تم تبخيسها أصبح الجمبع يسأل عنها و يطالبها بالقيام بواجبها. الأحكام القضائية ليست مقدسة و هي خاضعة لتدرج في تقييمها و لمراقبة الجهاز الأعلى درجة من الجهاز المصدر للأحكام القضائية سواء أكانت في المرحلة الإستئنافية أو النقض...و لتعليق الفقهاء و القانونيين.
كما أن النيابة العامة عملها منظم و مؤطر بالدستور و يخضع لتقييم الهيئة التي تنظر في الملف و لمناقشة و دفع المحامين أثناء مؤازرتهم لموكليهم، كما أن القضاء الإداري فتح المجال لتعويض المتضريين من الأخطاء القضائية. يجب أن ننتبه إلى أنه اذا سفهنا و بخسنا دور الجهاز القضائي لن نجد غذا من سنختصم لديه و سنشرعن من حيث لا ندري سلطة الشارع و شرع اليد مادامت ثقة المواطنين في القضاء و في دور النيابة العامة قد تم زعزعتها بشكل سلبي يخدم أجندة لا تخدم البناء المؤسساتي في بلادنا.
لست هنا في مجال تبرير الأحكام الصادرة على الزفزافي و من معه و هو الملف الذي يحتاح لتقييم موضوعي على مستوى الإجراءات التي اتخذت فيها، لكن نحتاج بالمقابل إلى أن ننبه إلى أن استهداف القضاء و النيابة العامة على الخصوص التي تعيش أول تجربة على مستوى وضعها الحالي و هو الوضع الذي لم يأتي من فراغ بل مرتبط بالتطور الذي عشناه خاصة على مستوى توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة بعد معالجتها لملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مرحلة سنوات الرصاص حيث كان المناضلين يختطفون من داخل المحاكم و حيث هو كانت المحاكمات صورية لا مجال فيها لأية ضمانة حتى لو تعلق الأمر برفع الأصبع لأخذ الكلمة، و هي عملية - تبخيس دور القضاء- أمر اذا ما أضفناه إلى عملية تبخيس دور الأحزاب على مشاكلها و دور المؤسسات على علاتها سنكون نحفر قبرنا بأيدينا.
الإصلاح يحتاج لخطاب لا تيئيسي بل باعث للأمل و للثقة في المؤسسات و إذا ما كانت هناك ملاحظات وجب تقديمها بهدف تطوير و تجويد عمل المؤسسات لا العكس و النضال من أجل فرض المزيد من المكاسب الحقوقية.