في كل لغات العالم، نجد ما يفيد الإقناع الذي تتحجج به ساعة الحقيقة مقابل هراء متلاشيات الترويج. وإذا كان إخواننا المصريين المعروفين بأمثلتهم ذات الغاية الدقيقة قد قالوا "المية تكذب الغطاس"، سبق لسلفنا أيضا أن أبدع في هذا الاتجاه وذكر ضمن موروثه "عند الفورة يبان الحساب".
ولهذا، لم يكن الأمر يحتاج سوى إلى قليل من الصبر حتى يأتينا بالأخبار من دُعي لـ"مقاطعة مهرجان موازين". لا قولا، بل بتشكيله لحشود من المرتادين على مختلف المنصات الست بين مدينتي الرباط وسلا ومن كل الجهات، مديرا القفا لكافة التحريضات وكذا المساومات المحاولة النيل من قراراته الذاتية. مع التأكيد في الاتجاه المعاكس على أن لا محل بين صفوفه لمن يتخذ مصير أحد بدل الآخر، طالما أن الجميع سيد نفسه في اختياراته.
من هذا الأساس، أبرق المغاربة لمن يعينهم الموضوع، ومنذ أول يوم، على أنهم لا يحترمون سوى منطق العقل، مثلما يعادون أي احترام مبني على الخوف أو المجاملة الدنيئة. في حين ثبت تورط الباحثين عن أي ثغرة عفوية للدخول إلى نفق الظلامية المجحفة. والمعلوم أن الإجحاف يبدأ حيث يعشش الجهل، ومع الجهل طيش الادعاءات وهرطقتها.
حقيقة كانت أحلامهم أكبر من حجم معرفة قدرهم، مما يحيل على أن المأزق ورغم سخافته، يوقظ جدية التعامل معه في مجتمع كان ليبقى عنوانا لتعدد الثقافات والتسامح والقيم النبيلة كحروف مرصعة بنقاط الدولة المعتدلة. وبالتالي، لا أمل في من لا يتعايش مع هذه المبادئ لكي يخطو بالبلد أماما، وإلا لصرنا كالطامع "فالزحاف يوصلنا علكتاف..".
فالشعب المغربي لم يعد في حاجة، ومن زمان، حتى يؤكد انفتاحه وميوله الجارف للتواصل الراقي، ويبذل قصارى جهده لمحاصرة الإنغلاق الذي لا يتماشى وطبيعته الآدمية بأي شكل من الأشكال. ومن ثمة، ليس غريبا أن يقف في وجه من يستكثر عليه لحظة انفراج نفسي قد يخلصه ولو مؤقتا من بخار ضغط أصولي، لا يهم إن كان طبعا أو صناعة، بقدر ما يهم إدراك توجهات خليته السرطانية بين أعضاء جسد مستعد لبتر أحدها في سبيل أن يعيش سليما معافى