قرأت الرسالة التي بعث بها بوعشرين من السجن، الرجل ظل وفيا لأسلوبه ولكلماته المختارة بعناية لتخوين الجميع وشيطنة كل من يخالفه، نفس العدوانية ونفس التعالي ونفس الحقد على الآخر المتواجد في الضفة المقابلة ونفس الغل تجاه الاتحاد، فمن بين ثلة محاميي المشتكيات لم يجد سوى الأستاذة أمينة الطالبي التي خاطبها عنوة بصفتها البرلمانية الاتحادية وليس بصفتها محامية لينفث سمومه تجاهها، علما أن الأستاذة أمينة الطالبي بالضبط ظلت تتصرف بمهنية عالية طيلة أطوار المحاكمة وتكلمت دوما بلغة قانونية صرفة، الأستاذة وكما يعرفها المقربون منها لا تبحث لا عن الأضواء ولا عن شيء آخر غير ممارسة دورها كمحامية، خاطبها بصفتها الحزبية متناسيا أنه يوجد ضمن دفاعه أيضا منتمون للبيجيدي مثلا وهذا لا ينقص من قيمتهم كمحامين اختاروا الدفاع عن المتهم، ثم بالله عليكم هل من يوجد ضمن هيئة دفاعه شخص كزيان يسيء كل يوم للمهنة حتى أن النقيب المحترم بوعشرين تبرئ منه ومن كلامه غير ما مرة، يليق به الحديث عن احترام أخلاقيات المهنة؟ ولكن هذا هو توفيق شخص لا يشاهد نفسه في المرآة..
رسالة بوعشرين كانت تكرارا لكل الدفوعات الشكلية التي سبق أن عرضها محاموه على المحكمة واجابت عنها، في خمس ساعات، النيابة العامة بنصوص قانونية واضحة أدت إلى رفضها من قبل المحكمة، دفوعات كان كل الغرض منها إسقاط الشرعية عن المحاكمة وعدم بلوغ مرحلة عرض التسجيلات وليس العمل على تبيان الحقيقة والانتصار للعدالة، لقد مر بوعشرين من مرحلة إنكار وجود الفيديوهات إلى مرحلة إنكار ملكيته للأقراص المدمجة حيث تم تخزين جرائمه الجنسية، ويقدم لهذا الإنكار الجديد مبررا مضحكا، حيث يطلب من المحكمة مراجعة بيانات مقتنيات الجريدة والتي لا تتضمن هذه الأقراص، وكأنه مستحيل عليه اقتناء أجهزة بسيطة دون الحاجة إلى التصريح بها.. بوعشرين لم ينف في أية لحظة أن من يظهر في الفيديوهات هو شخصه وظل يكرر مقولة "هذه التسجيلات مفبركة" دون أن يطلب إجراء خبرة عليها، فالهدف كالعادة ليس هو بلوغ الحقيقة بل التشكيك في كل مؤسسات الدولة وفي القضاء وفي شهادة الشهود من نساء ظهرن على الفيديوهات وأكدن أنها تخصهن وأن الأمر كان برضاهن.. بوعشرين يريد اقناعنا أن العالم كله ضده وأن هناك قوى خارقة تسعى للقضاء عليه، يبدو كذلك من خلال مرافعته أنه غير منسجم مع دفاعه الذي يحاول إقناع المحكمة بضرورة إعادة تكييف التهم ومتابعة الكل بتهم الفساد، هذا الفساد الذي يحتاج اليوم إلى إعادة تعريفه، فمنذ متى كان الفساد أو العلاقات الجنسية الرضائية بلغة حقوق الإنسان، مرادفا للعنف والاستغلال والضغط والإذلال والاتجار في مصدر عيش مستخدمات قادتهن الأقدار إلى الاشتغال بمؤسسة إعلامية يرأسها إعلامي كبير.. لقد راجعت كل القوانين الدولية التي تعاقب على التحرش والاستغلال الجنسي في أماكن العمل ولا واحد يتحدث عن إمكانية وجود علاقة رضائية بين المستخدم ورب العمل الذي يعتبر في العالم المتحضر صاحب قوة وسلطة مادية ومعنوية على مستخدميه.. اخبرتني سيدة في بداية الملف "يا ابنتي الرجال عيبهم واحد" وتقصد بذلك أن كل الرجال فاسدون وكلهم لهم "مغامرات" جنسية، السيدة وقياسا بمعايير المجتمع الذي نعيش فيه، محقة غير أن هؤلاء الرجال الذين "عيبهم واحد" وكما تحكي النساء عنهم، هم رجال يدفعون مقابل الجنس، بحيث لا يكون المقابل هو العمل، وحيث تحتل "الصاحبة" مكانة أهم من تلك التي تحتلها الزوجة بل وتتحكم أحيانا في الرجل بشكل تكون فيه هي في موقع قوة وليس العكس..
ليس بوعشرين من يوجد في الكوليماتور بل قوانين البلد كلها توجد في الكوليماتور والقضاء يوجد الكوليماتور والصحافة توجد في الكوليماتور والإنسان المغربي يوجد في الكوليماتور.. كوليماتور لقياس الإنسانية ولمكانة المرأة ولمدى احترام كينونتها ولمدى تغلبنا جميعا على الثقافة الشرقية التي تسكننا عميقا وتجعلنا نلوم النساء على ما يقترفه الرجال من جرائم جنسية وأخلاقية.. بوعشرين وخلال مرافعته ظل يغالط الرأي العام وهو يتحدث عن نساء يرفضن اتهامه والحقيقة أنهن رفضن الحضور للمحكمة من أجل الإدلاء بشهادتهن وهو أمر خارج عن القانون فجميع من أتى ذكرهم في المحاضر مطالبون بالشهادة وكثيرون جاؤوا للإدلاء بشهادتهم بكل مسؤولية وحرية.. كما أن أي كان يمكنه التراجع عن أقواله أمام الضابطة القضائية وقول كلام جديد..
وفي الأخير وددت صدقا لو لم يستغل بوعشرين طفله في هذه القضية ولو أبقى أسرته بعيدا عن ما ارتكبه من فظاعات ولكن وبما أنه اختار إقحام إبنه لاستعطاف القلوب فلا بأس من تذكيره أنه يوجد ضمن المشتكيات نساء يتيمات وأمهات وزوجات وأخوات لم ترحمهن حتى في لحظات ضعف كبيرة كانوا يتوسلونك فيها كي تتوقف ولم تفعل.. لن يقنعني أحد أنه لم يكن بإمكانك التوقف حتى لو كن هن من يعرضن انفسهن عليك.. طفلك لن يبكي غيابك بل سيبكي أفعالك عندما يعيها ولا نريد له اليوم سوى أن يظل بعيدا.. بعيدا جداا عنك وعن حساباتك..
لمياء الديلامي