ووسط كل ضجيج مقاطعة مواد استهلاكية بعينها وجد تيار متطرف الوسيلة المثلى لكي يخوض حربه المعهودة على الفن، من خلال الركوب على مطالب الناس، ومن خلال خلط كل شيء بكل شيء، فدعا مجددا إلى مقاطعة مهرجان غنائي يناصبه العداء منذ عامه الأول، ويعتبره ضربة موجعة توجه له كل سنة وهو يرى المغاربة يشهرون علامات الفرح في الشوارع، ويستثنون أفسهم من الظلام الغاشم المسيطر على بقية البلدان.
لا يجب أن يكون لدينا أي لبس في الحكاية كلها: هؤلاء المختفون خلف حواسيبهم يطالبونكم بمقاطعة كل علامات الحياة، سبق لهم وفعلوا الأمر ذاته في كل السنوات السابقة: مرة قالوا إن هذا المهرجان يتزامن مع امتحانات الباكالوريا، ومرة قالوا إنه يتزامن مع أحداث جسام مرت على الأمة لا يجب أن ينعقد فيها، ومرة قالوا إنه لا يليق بنا أن نستدعي مغنيات يرقصن على الخشبات إلى بلادنا، ومرة - أيام الربيع العربي - صدقوا أنفسهم وقالوا لا يجب أن ينعقد وكفى، ومرات عديدة هاجموا القنوات التلفزيونية التي تنقله، ومرات أكثر هاجموا كل المغنين الذين يأتون إليه، ما يعني أن المسألة ليست جديدة ولا محدثة، ودائما كان الرد المغربي في مستوى المغرب فعلا: الناس في حكاية الفن هاته تعرف ما عليها أن تفعله وما عليها أن تتجنبه، وترفض أن يمارس أحد الوصاية على شعبنا.
لذلك لنقلها من الآن: الهدف ليس هو المعلن نهائيا، ويكفي أن تتابع طبيعة الخطاب الذي يطالب بمقاطعة هذا المهرجان لكي تفهم الرسالة الإيديولوجية الكامنة وراء اللعب بعقول الناس.
لتلك الرسالة نقول: المغربي كائن حي وفرح، والمغربية إنسانة تعشق الرقص والغناء وكل تباشير العيش، هذه جينة مؤسسة من جيناتنا إذا أردتم تخليصنا منها أبيدوا هذا الشعب واستوردوا لكم شعبا من طالبان، أو من داعش، أو من بقية أماكن نعيق الغربان.