|
|
|
|
|
أضيف في 06 يونيو 2018 الساعة 05 : 09
يامنة كريمي.
يخوض المغرب بهدوء وثبات ورشا إصلاحيا شاملا ومنفتحا على كل الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية، مما يجعله تجربة قل نظيرها في التاريخ. ويدخل ضمن هذا الورش الإصلاحي مطلب مساواة الأنثى بالذكر في الحقوق والقضاء على جميع أشكال التمييز بسبب الجنس وهو ما يعرف بسيداو. لقد خرج هذا الورش الحقوقي والإنساني من رحم جمعيات المجتمع المدني التقدمية ونال، بعد نضال طويل ومرير، تأييد كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومساندة عدد من المؤسسات الدينية الرسمية وأساتذة (د ) التعليم والتكوين الديني المستقلين والواعين بنبض المجتمعات وتغيراتها وأهمية تفعيل فقه النوازل ومقاصد الإسلام. وقد لعبت معظم وسائل الإعلام والبرامج الفنية والمسرح دورا مهما في التوعية بحقيقة الوضع السوسيواقتصادي الذي تعيشه المرأة الشعبية المغربية. وهو وضع ضبابي ويشكل حالة تناقض. فمن جهة، المرأة المغربية تقوم بجميع المهام والمسؤوليات ولا تبخل جهدا لخدمة أسرتها ومجتمعها، ومن جهة أخرى تعاني من كل أشكال الظلم والحيف المتمثلة في العزل والدونية والتحقير في جميع مناحي الحياة. وهذا القدر البئيس رسمه لها الخطاب الفقهي الوهابي الجائر. لأن المرأة في المغرب كانت معززة ومكرمة لا تواجه أي مركب نقص أو شيطنة قبل سيادة سلطة فقه الخرافة والأساطير، المصاب بعمى الألوان حيال ما يجري في المجتمع من تغيرات وكذلك اعتباره الكلام عن الحيف الذي تعاني منه المرأة الشعبية مجرد ادعاء المظلومية. إضافة إلى ترويجهم لفكرة مغلوطة مفادها أن مساواة المرأة بالرجل في الحقوق هو علة خراب البيوت، لكن العكس هو الصحيح والدليل أن كل الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها المغرب هي سليلة النظام الأبوي الذي يجاهد الفقه الخرافي على استمراره في جهل تام بأن تعزيز وتقوية جانب المرأة، التي هي الزوجة المدبرة لمعظم الأمور، والابنة والأخت والوالدة والمربية، هو تعزيز وتقوية للأسرة والمجتمع. وفي خضم نضال المغربيات والمغاربة، الحاملين لهموم مجتمعهم والغير مصابين بداء تضخم الأنا ولا وباء التكالب على السلط والمناصب، حضي مشروع المطالبة بالقضاء على جميع أشكال التمييز في حق المرأة برضى وتأييد أعلى سلطة في البلاد والذي دعا إلى رفع الحيف عن النساء وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل. وهي الدعوة التي استجاب لها المغاربة كأفراد وهيئات ومؤسسات بكامل العناية والتقدير. وفي إطار هذه الاستجابة لدعوة أعلى سلطة في البلاد، برفع الحيف عن النساء وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل، عقد منتدى من أرفع المنتديات نظمته صاحبة السمو والجلالة، المؤسسة القضائية للجهة الشرقية حول موضوع "مدونة الأسرة ومطالب التغيير". قدم في هذا المنتدى عرض لأستاد جامعي، يشغل عدة كراسي في القطاع الديني سواء الرسمية أو غير الرسمية. إضافة إلى أنه يسجل حضورا مكثفا على كل المنابر الخطابية والتواصلية مما جعله موضوعا للصحافة والإعلام وراكم حوله مادة معرفية غزيرة تشكل أرضية غنية للبحث بكل ثقة وموضوعية في فكر وتطلعات التيار الذي يتزعمه. واستحضرنا في هذا المقال مقتطفين من العرض للتأمل والدراسة، وأول المقتطفين جاء فيه: "...الناس يقولون لا بد للمساواة في كل شيء لكن لا تستطيع أن تفرض هذا على الفاتيكان وتقول له لابد أن تكون لكم بابا أخرى امرأة لأن ليس لكم في تاريخكم سوى بابا ذكرا وأنتم ذكوريون...". النص عبارة عن عملية قياس، والمعروف في البلاغة والمنطق، أن القياس من شروطه وجود علاقة الشبه أو الصفة بين المقيس والمقيس عليه. وإذا أخضعنا عملية قياس صاحب النص للمساواة بين الجنسين في المغرب، المقيس، على عدم المساواة بين الجنسين في الفاتيكان كمقيس عليه، نجد أن عملية القياس خاطئة من أساسها لغياب شرط القياس وهو علاقة الشبه أو الصفة بين المقيس والمقيس عليه. فصاحب النص قاس وضعية اجتماعية حقوقية في بلد نظامه "نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية" على بلد نظامه روحي ديني راديكالي. وحتى وإن كان الفاتيكان يتمتع بصفة دولة فهو في الواقع عبارة عن متحف للسلفية المسيحة. وبالتالي فاتخاذه كمعيار في موضوع حقوق المرأة يعتبر ضربا من التهريج والتجهيل والاستخفاف بالقدرات العقلية للمغربيات والمغاربة، ودلك لما يلي: دول أوربا لم تخرج من عصر الجهل والظلمات إلا بعد أن تخلصت من سلطة الكنيسة بداية من القرن 15. فكيف ونحن في القرن 21، عصر حقوق الإنسان وثورة الإعلام والتواصل وفي مجتمع إسلامي يحرم الرهبانية، يضرب لنا المثل في قضايا حقوق الإنسان بالوضع الحقوقي في معقل الرهبانية والرهبان؟ أهل صدق صاحب النص أننا "مانفهموش؟" و" ما نعرفوش؟" و"ما نقدوش؟" ولائحة خطاب التجريح في الفيديوهات طويلة ولا حصر لها. الديانات التي سبقت الإسلام لم تحفظ أبدا كرامة المرأة، والإسلام هو من أسس لقيم المساواة بين الجنسين وترك النص مفتوحا على الاجتهاد تبعا لمبدأ التدرج في الأحكام وتفعيل المقاصد. ويكفينا دليلا، مدى حب وتكريم النبي ص للمرأة. دلك الجزء من سيرة الصديق تغيب بشكل مطلق عند السلفية في تيارها المتشدد الذي يدعم تحقيره وتدنيسه وشيطنته للمرأة بالنصوص اليهودية والمسيحية مما يعتبر نوعا من خلط الأوراق وتحريف الحقائق. كوننا أتباع آخر وحي، يفترض فينا، واستنادا للنص الإسلامي والمنطق، أن نكون نموذجا للرقي في قوانين المعاملات السماوية شرط أن نفتح فريضة الاجتهاد بشكل منطقي وعقلاني وبعيدا عن التقليد والتحجر واللهث وراء المصالح والأهواء. وحتى إن كانت هذه النقطة تتسع للمزيد من التفصيل والتدقيق ولضيق المجال سننتقل للنص الثاني والدي يقول صاحبه، "...من مقتضيات الكرامة أن لا يعدم الإنسان. أي إلغاء عقوبة الإعدام ولكن الأمريكيين فيهم ولات، 31 ولاية تعدم، فأي الفريقين لا يحترم مبادئ، مبدأ الكرامة الكرامة الإنسانية. هل يقال للأمريكيين أنتم لا تفعلون،..." في هذه النقطة ولكونها تدخل كدلك في باب فساد القياس فسوف لن نكرر ما قيل في قواعد القياس لنبين مباشرة أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست معيارا في مجال حقوق الإنسان وضمان الكرامة الإنسانية سواء مارست بعض ولاياتها، وحتى كلها، حكم الإعدام أو لم تمارسه، والسبب بسيط وهو أن الولايات المتحدة بتاريخها ونظامها السياسي والاقتصادي دولة رأسمالية تقوم على أساس المنافسة والربح. أما رصيد معظم ولاياتها في مجال الحقوق والخدمات الاجتماعية ضعيف جدا. إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي بدورها دولة دينية مسيحية كاثوليكية سلفية حتى النخاع. وبالتالي مثلها كمثل كل الدول التي يغلب فيها التيار الديني السلفي، يصعب عليها الانخراط في شريعة حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة، وإلا كيف نفسر ما قامت به إدارة الرئيس ترامب التي أجهزت على مجموعة من المكتسبات الحقوقية للمرأة في وضعية هشة من خلال الإجراءات التالية: توقيف مباشرة الجامعات للتحقيقات في العنف الجنسي إلغاء كل المبادرات التي كانت قائمة من أجل تحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين وتقنين الإجهاض وسحب التمويل المخصص للصحة الإنجابية للمرأة. إعفاء أصحاب العمل من تغطية نفقات التأمين الصحي المخصصة لمنع الحمل توقيف خدمات العلاج والرعاية إثر الاغتصاب. وبالتالي ليس هناك حرج أن نقول للأمريكيين أنتم لا تفعلون. وأن نقول لكل من ينخرط في معالجة المشاكل الوطنية أن يتحلى بالمسؤولية والمصداقية ويحترم مدارك المواطن المغربي ويساهم في تنميتها وتنويرها على الأقل من خلال عدم الخلط بين الحقائق والتغليط. إضافة إلى نعت المغاربة والمغربيات بكل صفات القصور والجهل وحشو ذهنهم بأفكار مشوهة كإعطائهم امثلة خاطئة وقياسات فاسدة في قضاياهم المصيرية كما سلف ووضحنا ذلك في قضية حقوق المرأة. لقد تعمد المعني تغييب المقاييس الصحيحة والتي تشكلها الدول الرائدة في مساواة الأنثى بالذكر كالدول الإسكندنافية مثلا، واستحضر أمثلة لا صلة لها بالموضوع. وللإشارة فهذا الأمر ليس بالأمر الهين خاصة عندما يصدر عن شخص توكل له مهام رسمية جسام مثل التعليم والتوعية والتوجيه.
|
|
1897 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|