الكاتب : منير الكتاوي
لم يكن يدري توفيق بوعشرين وهو يطالع التغطيات الإعلامية المكثفة، حول الكوميسير ثابت الذي توبع بالاغتصاب والتصوير واستعمال العنف والابتزاز، بداية تسعينات القرن الماضي، لما كان طالبا جامعيا بفاس، انه بعد قرابة 30 سنة، سيصبح بدوره مادة إعلامية تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد والمواقع الإلكترونية.
وتأبى الأقدار إلا ان يكون ثابت وبوعشرين، يشغلان الرأي العام في ليالي رمضان بقصصهما الجنسية المثيرة وأحيانا الشاذة، أمام ذات المحكمة بالدار البيضاء وفي قاعة مغلقة، وهما معا يتمتعان بسلطة على الضحايا، الأول له سلطة أمنية والثاني له سلطة إعلامية، والمشترك بينهما أيضا هو تصوير غزواتهما الجنسية بشذوذهما الواضح.
بين رمضان 1991 ورمضان 2018، تطورت الترسانة القانونية، وواكب المغرب التشريعات الدولية، ليصدر القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يتابع مدير نشر "أخبار اليوم" على خلفيته، وهو ما يجعل من هذا الملف محكا قضائيا مهما ليس على المستوى الوطني، بل الدولي أيضا.
لقد سارت بمغامرات بوعشرين، الركبان، وبين 23 فبراير و22 ماي 2018، بدأت معالم جرائمه تتضح للعيان، لتتوج داخل قاعة المحكمة المغلقة، ببداية عرض أشرطة الفيديو التي فاقت 50 تسجيلا منذ سنة 2015، مع وجود مشتكيات ومصرحات، هؤلاء النسوة، اللواتي انتهك بوعشرين شرفهن، لم يسلمن وهو يقضي ليلته رقم 90 بسجن عين البرجة من إذايات أكثر إيلاما من إعلامه، الذي عوض الانتصار للضحايا انتصر للجاني، مقدما إياه "أسير القلم الحر"، وهو في الحقيقة "اسير قلم النزوة"، مرتديا لبوس الاستغلال والابتزاز.
أما دفاع بوعشرين، فقد أبان زعيمه النقيب زيان عن مستوى مسيء لمهنة المحاماة، التي لا تقل نبلا عن مهنة الصحافة، حتى أضحى مستحقا بجدارة واستحقاق لمحامي المثير للجدل، وهو لا يتورع في استعمال معجم جنسي مستعينا به لإبعاد تهمة الاتجار بالبشر عن موكله، وبعد أن كان أعضاء دفاع هذا الأخير، يروجون كون الاعتقال يأتي ضمن التضييق على "الصحافة الحرة"، لحسابات سياسية، تبين من خلال الجلسات الأولى ان المتابعة جنائية صرفة ولاعلاقة لها من قريب أو بعيد بصفته الصحفية، لينتقل لدفع آخر يتعلق بإنكار وجود الفيديوهات، مهددا باللجوء إلى المنتظم الدولي، وما زالت أرجاء محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحتفظ بتصريحات دفاع بوعشرين حول هذه النقطة، وبهذا ينهار الدفع الثاني، الذي رافقه محاولات يائسة لنسف الجلسات وتمطيطها، ومع عرض الفيديوهات الأولية عادت تصريحات الدفاع من جديد كون الشخص الظاهر في الفيديو ليس هو بوعشرين، غير أن الفيديو الأخير، والذي يظهر فيه يجامع امراتين في وقت واحد، حامل وبكر، "ظهر بوعشرين وضوح الشمس في نهار جميل"، وعاد معه دفاعه للتصريح بأن العلاقات الجنسية كانت رضائية، وليس فيها أي إجبار أو إكراه، محاولين إعادة تكييف الجريمة من الاتجار بالبشر إلى فساد وخيانة زوجية.
لقد سقطت الفيديوهات التي عرضت ليلة الثلاثاء 22 ماي 2018، في ايديهم، ونظر بعضهم لبعض في القاعة 8 من أهوال وفظائع وفواجع ما رأوه بأم أعينهم، استعباد واسترقاق للضحايا وممارسات شاذة، لن يمحوها الزمن، وستسجل في تاريخ الجرائم الإنسانية الحاطة من كرامة نساء، مهما أشهر عليهن بوعشرين ودفاعه سيف الرضا، فإنه مردود عليهم، مادام أن جريمة الاتجار بالبشر لا تستند لرضا الضحية من عدمها، وإنما تستند لعلاقة السلطة بين رب العمل والأجير، بين الجاني والمجني عليه، وإثبات حالات الهشاشة والفقر والحاجة لدى الضحايا، والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي..
هي إذن ليالي رمضان ستمتد في محاكمة بوعشرين إلى وقت الأسحار، لا يعرف لها سقف زمني محدد، لكن الأكيد أنها تعيد للأذهان محاكمة شدت إليها الأنظار وانتهت بإعدام الكوميسير ثابت.