يستخلص بخصوص ما اصطلح عليه بـ«المقاطعة» عدة دروس، بغض النظر عما يمكن أن تحمله من اختلاف في التقييم، وربما في العملية برمتها.
هناك مجموعة من الملاحظات يمكن تقديمها، بعيدا عن الأحكام الجاهزة والمائلة في هذا الاتجاه، أو الاتجاه الآخر..
أولا، العملية تمر بشكل سلمي حضاري رغم بعض العنف اللفظي أو الرمزي هنا وهناك، وهذا الأمر: السلمية والحضارية، يعطي صورة حقيقية عن المغاربة وتركيبتهم ونزوعهم نحو السلم في تدبير خلافاتهم واختلافاتهم.
ثانيا: يبدو أن «الطبقة المتوسطة»، رغم ما يمكن أن يقال عنها، وجدت سلاحها في التفاعل مع القرار السياسي والاقتصادي، واستعملت هذا السلاح بذكاء.. وهنا لابد من التنبيه إلى أن الطبقة المتوسطة، التي تعمل السياسات العمومية على إقبارها، هي ضرورة حتمية لتطور المجتمع، وأيضا هي صمام أمان من قلاقل اجتماعية يمكن أن تكون غير محسوبة العواقب..
ثالثا: هناك وعي بدأ يتشكل في العلاقة بالواقع الاقتصادي، يجعل من المواطن فاعلا ومتفاعلا وليس مجرد مستهلك. هذا الوعي، رغم جنينيته، سيحدد شكلا جديدا من العلاقة بين مالكي السوق والمواطن، وسيخلق شكلا جديدا من الاستهلاك بقيم جديدة تقوم على الجودة والشفافية.. طبعا هذا الأمر يحتاج الكثير من الوقت، والجهد، وأيضا الكثير من التنظيم..
هذه الملاحظات يمكن أيضا إجمالها في كون المجتمع المغربي يمتلك قدرات كبيرة يمكن استثمارها في الاتجاه الإيجابي، فقط على الفاعل السياسي أن يلتقط اللحظة ويكون في مستواها.. غير أنه، وللأسف لم تستطع الحكومة لحد الآن، ومعها الفاعل الحزبي والسياسي فهم الرسائل والتعامل معها بالأسلوب والطريقة السليمتين. هنا يمكن الإشارة إلى الطريقة غير المحترفة في التواصل التي جعلت وزراء يخدمون حملة المقاطعة أكثر مما يواجهونها بالعقل والتفاعل..
المجتمع المغربي عبر عن حيوية فعلية، وليس لا مبالاة كما يريد البعض أن يصوره. لكن أيضا عبر عن نهاية نموذج من التعامل السياسي، وضرورة بداية شكل جديد في العلاقات المجتمعية. وفي اعتقادي يجب أن يكون هذا الشكل التنظيمي مؤسساتيا في إطار القانون.. وهذا دور الفاعل السياسي الذي يجب أن يتفاعل بجدية وبالتزام ومسؤولية، وأن لا يترك الأمور تسير في اتجاه العشوائية التي لن تؤدي إلا إلى الفوضى.
هذا على مستوى التنظيم، أما على مستوى المرحلة فمن اللازم على الحكومة أن تتدخل فوريا لإصلاح ما هو فاسد في العلاقة الاستهلاكية، وأيضا في علاقات الإنتاج، إن لم أقل إن هناك ضرورة للتفكير في نمط الإنتاج بشكل أعم، خصوصا في مجال العلاقات والقيم..
المحللون الاقتصاديون يميزون في الاقتصاد المغربي بين المصرح به كسياسة، وبين الممارسة.. هناك توجه ليبرالي متوحش، وهناك سلوك احتكاري، وهناك اقتصاد غير مهيكل، وهناك ممارسات غير سليمة.. لكن التفاعلات الأخيرة تفيد بأنه حان الوقت إلى أن تسير الأمور في اتجاه تعاقد مجتمعي يقوم على قيم المواطنة والانتماء…