بعد ست سنوات من الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية ظهر أنها حكومة لا تتقن التسيير العادي للشأن العام، ولا تعرف تدبير الأزمات، وتجهل إطفاء الحرائق بل هي من يصب الزيت على النار حتى تتأجج أكثر، والثابت في شغلها أنها حكومة الترقيع الحقيقي، وحتى في هذا المجال لا تتقن خيط الرقع حتى جعلت من التدبير مجرد "دربالة".
من آخر إبداعات هذه الحكومة إعلان رئيسها سعد الدين العثماني عن تأسيس لجنة لتتبع أسعار المواد الأكثر استهلاكا.
في هذه القصة نكت خطيرة جدا. نركز على اثنتين مهمتين. الأولى هي أن هذه اللجنة جاءت بعد التوتر الذي تعيشه بلادنا نتيجة مقاطعة بعد المواد الاستهلاكية، والثانية هي أن المهام التي ستوكل لهذه اللجنة، هي جزء من مهام مجلس المنافسة، الذي نص دستور 2011 على دسترته إلى جانب مجموعة من المؤسسات الأخرى، لكن الحكومة، وحسب رئيسه، تركته جامدا منذ 2013، ولم تخرج القانون التنظيمي الخاص به.
خصص دستور 2011 الثوري فصولا عديدة للحكامة، وتضمن الفصل 166 حديثا خاصا عن مجلس المنافسة باعتباره إحدى أدوات الحكامة الجيدة، حيث ينص الفصل المذكور على أن "مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار".
يعني أن المجلس له من الصلاحيات ما يكفي ويفي بالغرض، فهو يضمن المنافسة الجيدة والحرة لكن يحارب أيضا الممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار. هذا مجلس دستوري قادر على القيام بكل الأدوار التي أراد العثماني إناطتها باللجنة المذكورة، بل إن تجميد نشاط مجلس دستوري وتكوين لجنة على الهامش هو بكل المعايير خروج عن الدستور.
لماذا يصلح الفصل 166 من الدستور؟ وما الغرض من إصرار المشرع على دسترة مؤسسات الحكامة؟
ذلك من أجل أن يمنحها السلط الكفيلة بالتصدي لكل الاختلالات وحتى لا يبقى دورها ثانويا أو مكملا لدور الحكومة أو حتى استشاريا، ولكن أراد لها أن تكون أدوات فاعلة لقياس مدى حكامة التسيير والتدبير.
الحكومة الحالية وسابقتها تتعامل مع المؤسسات الدستورية بطريقة التهميش الممنهج، وهذا ما تفعله مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تبقى في الرفوف وبالتالي أصبحت تصلح لاستخراج المواد الإخبارية، بما أن الحكومة لا تحرك ساكنا تجاه الحالات الخطيرة التي يكشفها في ميدان التسيير والتدبير. وهكذا هي اليوم تتعامل مع مجلس المنافسة بتجميده منذ مدة طويلة وإمعانا في ضرب الدستور ها هي تتغاضى عنه وتحاول نقل صلاحياته للجنة لم تتم مناقشة قانونيتها وصلاحياتها.
عجيب أمر هذه الحكومة تنام طويلا عندما تهدأ الأوضاع الاجتماعية وعند كل منعطف تصب الزيت على النار ولما تشتعل تحاول إطفاءها عن طريق التحايل على الدستور.