قد يسألني القارئُ الكريم عن هدف ذِكْرِي لقصة [بيسارُّو] الأمّي، وقصة [كورتيس] المثقّف في كلٍّ من (البيرو) و(المكسيك).. السبب هو أني أريد أن أُظهرَ لكَ أنّ هذين الغازييْن الإسبانيين، هما اللذان فتحا أبواب [أمريكا] أمام المغامرين، والطامعين، والباحثين عن الثروة في بلاد الهنود الحمر، وقد وظّفوا أسلحتَهم النارية، وقتلوا القبائلَ الهندية، واستولوا على الأراضي الخصبة، ودأبوا على البحث عن الذهب، وهرول الجميعُ نحو ما أسموها أرض [إلدورادو]، وسُمّيَت هجْمتهم [لرياي نحو الذهب]، وتشكَّل بشرٌ آخر همُّه المال، والثراء، ولو تطلّب ذلك القتل، وإراقة الدماء، ومن ثمّة تشكّلتْ عقلية الأمريكان الذين هم خليط من كافة الدول، والأعراق، والأجناس الموجودة على وجه الأرض؛ لكنّ هدفهم واحد، هو المال، وثروات باطن الأرض، بمعزل عن أي قيم أخلاقية، أو مبادئ إنسانية، مما دفعهم إلى إحياء العبودية، واعتماد العنف، وممارسة العنصرية..
بعْد هذه الحملة المحمومة على الأرض الجديدة، والهجمة الشرسة للناهبين، واللصوص، والقتلة، تعرّض الهنودُ الحُمْر للإبادة الجماعية، وهم سكان تلك الأرض الأصليون.. قام مجرم أوربي اسمُه [دوصوطو]، (لا علاقة له باسم دوصوطو) مهندس السيارة الشهيرة (دوصوطو)؛ قام بنقل الأمراض، والڤايروسات القاتلة إلى الأرض الجديدة في موادّ غذائية، وكان يعطيها للسكان الحُمْر، ويعود إلى أوربا محمّلا بالذهب، والأحجار الكريمة، وجلود الحيوانات، ولـمّا يعود بعْد أشهر ليتفقّد مكانَ جريمته، يجد أن القبيلة الطّيبة قد بادت عن آخرها بفعل القاذورات، والأمراض التي حملها إليهم من أوربّا.. بعد هذه الحقبة السوداء، بدأتْ عملية الاستيطان، والاستيلاء على أراضٍ بلا شعب، لكن برز جيلٌ جديد من الهنود الحُمْر، وظهر منهم زعماء أبطال، وانطلقت حركةُ المقاومة ضدّ اللصوص الأوربيين، سلاحُهم النبال، والسواطير، فوصفهم السُّراق، والناهبون، بالمتوحّشين، تمامًا كما يصفون اليوم الفلسطينيين بالإرهابيين، وهم يناضلون من أجل أرضهم المغتصبة من طرف الصهاينة الأمريكان أي الإسرائيليين حاليا، فأرض فلسطين تحتلها أمريكا في واقع الأمر، وليس كُمْشة يهود كما نتوهّم دائما..
وإلى يومنا هذا، وكذبًا في حق هؤلاء الزعماء من الهنود الحُمْر، والقادة المشهورين منهم، ولتشويه صورتهم، وتحريف تاريخهم المجيد، تجد البيض كلّما اخترعوا سلاحا فتّاكا، ومدمّرا، إلاّ وأعطوه اسمًا من أسماء هؤلاء الشرفاء من الهنود الحمْر؛ مثال ذلك، تجدهم أعطوا اسم قائد هندي أحمر لصاروخ [توماهوك]، واسم [إسبارو] لصاروخ [إسبارو]؛ واسم [كروز] لصاروخ [كروز]؛ واسم قبائل هندية [أباشي] للمروحية [أباتشي]، ثم [تشيروكي] للسيارة رباعية الدفع [تشيروكي] تعبيرا عن عنف، ووحشية الهنود الحمْر، ثم والله ما كان الهنود الحُمر كذلك؛ بل المتوحّشون هم السُّراق، والقتلة البيض القادمون من أوربا.. أما في أفلام [الويستيرن]، فقد صوّروهم كحيوانات مفترسة، ليخفوا وحشيتهم، وعنصريتهم، ويبرّروا بالصوت والصورة ممارستَهم، وإبادتهم لهؤلاء الهنود الحمْر، وقد انطلت الكذبة على كثير من الناس، بسبب قوة الأفلام السينمائية، وهو ما يقومون به اليوم في ميدان الإعلام المرئي لتضليل السذج، والمغفلين عبر العالم..
ثم ماذا؟ بدأت المتاجرةُ في البشر التي يدّعون اليوم كذبا محاربتَها؛ فصاروا ينقلون السود من إفريقيا مقابل ثروات تُنْقل إلى أوربّا، وهو ما أسماه المؤرّخون [مارشي تريانغيلار] يعني: [أوربّا ــ إفريقيا ــ أمريكا ــ أوربّا]؛ وصار السّودُ عبيدًا يعملون في مزارع السكر، وخدمًا وحشمًا، مع الجلد بالسياط، لأنهم ليسوا بشرًا، أو كما قال [هتلر]: [الأسْود بشرٌ نصْفه إنسان، ونصْفه الآخر حيوان]؛ ولعلّ ما قاله الرئيسُ [ترامب] بخصوص الأفارقة ليوافق التعبيرَ الهتليري تماما.. ثم إنّ [هتلر] قال أشياء بخصوص العرب، ولأسباب وجيهة لن نذْكرها؛ ولكن سنذكِّر بما قاله [ترامب] في شأنهم: [العرب بقرةٌ حلوب؛ فإذا غرز ضِرْعُها، ولم تعُدْ تعطي حليبًا ولا زبدةً، ولا عجولا، قتلْناها أو اكتريْنا أحدًا ليقتلها.]؛ وها أنت ترى كيف يبتزّ اليوم العربَ، ويسرق خيراتهم، ويسطو على [القدس بلا حياء؛ ثم عَجَبِي ممّن يجعل من الأمريكان وسيط سلام، وتاريخهم الأسود، هو تاريخ استيطان، ونهْب، وسلْب، وإبادة للشعوب الأصلية؛ فأنت تراهم استولوا على جزر في المحيط الهادئ، واستعبدوا سكّانَها بالحديد والنار في [سايبان، وغوام، وتينيان، وهُنولولو في بيرل هاربَر، وجزر بوغانڤيل، وجزر مارشال، وميدواي]، بالإضافة إلى دول شكلية، لا سيادة لها مثل [غواتيمالا، وهايتي، وبانما]، ودول أخرى لها أعلامٌ ونشيد وطني، وهي مجرّد مجتمعات عبيد لأمريكا الطاعون..
صاحب المقال : فارس محمد