عند الأمريكان لا وجودَ لِـما يسمّى الإنسان.. لقد رأيناهم بالأمس في "ڤيتنام" يذبحون الناسَ ذَبْحَ الضّان.. يخلّفون وراءهم أراملَ وأيتامًا، وكأنها فريسةُ تماسيحَ وذُؤْبان.. شهدناهم في العراق، يدمّرون شعبًا طيّبَ الأعراق.. وفي سوريا يخرّبون المباني، والآثارَ، ويدْعمون داعش ونصرة التّاتار.. بالأمس، ساندوا الديكتاتوريات، واليوم أتَوا لإرساء الديموقراطيات.. فالأمريكيون براغماتيون لا ريْب في ذلك.. في الاقتصاد حكّموا دولارًا، وفي السياسة مكَرُوا مَكْرًا كُبّارًا، وبالظلم اكتسحوا بحارًا وأمصارًا.. وحيثما حلّوا وارتحلوا، أجروا الدّماءَ أنهارًا.. ثم صنّفوا العالمَ عبيدًا وأحرارًا.. وكانت إسرائيلُ عندهم بلا شكٍّ شعبًا مختارًا.. وقد شاهدناهم بالأمس يلعبون لعبة وسيطِ السّلام، ويرسلون وفودًا.. فتوسَّطوا عربًا ويهودًا، ثم كانوا على العقد شهودًا.. وكم، وكم، وكم ظلّوا على الضعفاء فهودًا، ونقضوا عهودًا.. عرفتْ مواقفُهم نزولاً وصعودًا، فازداد الوضعُ جمودًا، والأحوال ركودًا، والمستقبل غموضًا، وبدا السلامُ أنه مجرد كلام، وتلكم حالُهم عقودًا، وعقودا..
وما أكثر لفظة السلام، في سياق الكلام، فتراهم ينمِّقون بالأقوال ويكيدون بالأفعال.. تراهم يذيقون الشعوبَ المكارهَ والأهوال، ويغْدقون على إسرائيل الأسلحة والأموال.. إسرائيل التي تقتل النساءَ والأطفال، وتقيم السجونَ، وتوثّق الأغلال، وعلى (غزّة) تشدّ الأقفال.. في شؤون العرب، بثّوا الشقاق، بعدما خرّبوا العراق، وفي سوريا بواسطة إرهابهم شرّدوا شعبًا طيّبَ الأعراق، فظهر النفاق، ولاحتْ نواياهم في الآفاق.. أرادوا تقسيمَ جثة سوريا، ومن لحمِها يعدّون ألذّ الأطباق.. ألمْ يتعهّد [ترامب] بقتل كل بقرة لا تنتج حليبًا، ولا تلد عجولاً مطلوبة في الأسواق؟! وكل مرة، يجتمعون في (مجلس الأمن الدَّولي)، ويفتحون الكتاب، ويقرؤون صكوكَ العقاب، فيصير الحساب أمرًا مفعولاً.. فيرى فيه الصهاينة عربًا ويهودًا عدْلاً، وقرارًا معقولاً.. كلّ ذلك، نزولاً عند رغبات [شالومي] المدلَّلة، وضعوا في حِجْرها رؤوسًا بالدماء مبلَّلة، فأصبحت سياستُها بالنجاح مكلّلة، وأمست نجمتُها بالذهب (مشلّلة)..
تقتل الأبرياءَ، فكانت جرائمها بالنصوص معلّلة، وبقيتْ حقوقُ المظلومين في مجلس (الإثم) الدّولي مكبّلة، وبدت قراراتُه النّفاقية مُهَلْهلة، وغدت مصداقيتُه عند الشعوب مزلزلة.. فيا عيْن اِبْكي بالدّم الهتّان، لما ألمّ وما تمّ بحقّ أمّة العُرْبان.. فالقلب يَجْزَع من أليم المصاب، والنفسُ المهمومة لضعفِها تمْطر وابلَ الأحزان.. والجسم الفلسطيني أضناه الجوى، وقد صار للصهاينة هدفًا لرمْي بنادقَ وسنان.. هبّتْ جموعُ الصهاينة، وكأنهم ذئابٌ يدفعها حقدٌ، ويَحْفزُها صهيوني دموي غشوم جاني.. بقذائفَ يشوي لهيبُ نارها، جسدَ طفلٍ رضيع بيد أمّه، وصواعقُ تغْلق من النيران.. ميركان وإسرائيلُ، على قهْر الضعيف، تواطؤُوا، وعلى امتطاء الشر، لسحْق أرضٍ وإنسانِ.. ملؤوا فجاجَ الأرض بظلمهم، وويلاتهم، وسّعوا بذبح أبناء فلسطين ذبْح الشاة، والضّانِ.. كم شرّدوا من أسرة؛ كم يتّموا من طفلةٍ؛ كم عوّقوا من شباب يانعٍ؛ وكم بقروا بطونَ الصّبيانِ.. وحشيتُهم داستْ بكلّ حماقةٍ، حجبوا الحياءَ في مجازرهم؛ فلا عزّة لديهم لإلاهٍ، أو قدس أو إنسانِ.. ذُبحتْ كرامتُنا، هاضَتْ حقوقُنا، رخصتْ حياتُنا، جرتْ دماؤُنا أنهارًا، وصرنا فرائسَ للذؤبانِ..
يا إخوة الإسلام، هذي صيحة طفلٍ فلسطينيٍ يتيمٍ، أسَمِعتُم صوتَ المعذّبِ العاني؟ يا إخوة العرب الكرام، كفاكم كراهية وتباغضًا، فما ذلك إلا في مصلحة الصهيوني الجاني.. تعلّموا صنعَ السلاح فإنه، عند النزال في ساحة الوغى، يفوق التعبير، ويثوب عن كل بيانِ.. فلله أمركِ يا أمّة العربان، قد حزّ في قلبي بؤسُكِ، يا أمّة الأجداد؛ يا أمّة الأفذاذ؛ يا أمة الأحفادِ.. اِنْهضي، فقد آن وقتُ النضال والجهاد.. كفاكِ ما جنيتِ من سياسة العنادِ والأحقاد.. هذه (القدس) تستغيث ليلا نهارًا، وتنادي: كسِّروا أسطورة (أرض الميعاد).. فلا نَقْصَ عندكِ يا أمّة العربِ، لا في الرجال، ولا في العتاد، بل نقْصُكِ فقط، في الوحدة والاتحاد..
كفاك نومًا، واحْذري قومًا، طالـمَا وضعوكِ بضاعةً في المزاد.. اِنْفَضي عنكِ غبارَ الخمول، فلقد طالت أيامُ الحِداد.. كَمِ اشْتقنا إلى نصرٍ يتلألأ منارةً، يذكِّرنا بفتح (طارق بن زياد).. اِرْفعي عنكِ كلَّ الأيادي، وذَرِّي رمادًا في أعيُن الأعادي.. لله أمرُكِ يا فلسطين، ما غاب والله عنّا يومًا ذكرُكِ، يا أرضَ الأطفال؛ يا أرض الأبطال؛ يا أرضَ الأجيال؛ فيومًا قريبًا، ترفرفُ فوقَ سمائِكِ رايةُ الاستقلال، وليس ذلك على الله بمُحال..
صاحب المقال : فارس محمد