من الصعب على الفاعل السياسي أحيانا التمييز بين وضعه الذاتي وبين الموضوع، الذي هو الوضع السياسي في المغرب، فيصبح التخبط الذي قد يعيشه حاكما على رؤيته للمشهد السياسي، لكن على المحلل أن يفهم من باب الموضوعية أن الفاعل، الذي يشكو من الوضع السياسي، قد يكون هو المشكلة. والموضوعية في علم الاجتماع السياسي لا تعني الحياد ولكن تعني الوضوح. فلما نعرف من هو الفاعل السياسي الذي لا يعجبه المشهد اليوم نفهم حينها لِمَ قال هذا الكلام وعلى أي أساس؟
عندما يقول الفاعل السياسي إن "الوضع السياسي غامض ولا نعرف أين نسير"، ننظر في خلقة هذا الفاعل. لما نرى أنه يعيش اضطرابات في الذات الحزبية، وأن وضعه الداخلي مهزوز، وتطارده حركة تصحيحية، وفقد حلفه بعد سقوط عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، نفهم هنا أن الفاعل القائل يرى المشهد السياسي من داخل كيان ضبابي وفاقد للبوصلة.
يرى الفاعل السياسي المضطرب أن الوضع مقلق وأننا نعيش في حيرة وقلق وغموض. في هذا الكلام تجنٍّ على بلادنا. لا نقول إن المغرب ليست فيه مشاكل سياسية، ولكنها من نوع المشاكل الحاصلة عن الممارسة السياسية وبالتالي لا يمكن وصف المستقبل بالغامض.
نقدر ما قاله الفاعل السياسي، من يرى المستقبل غامضا هو من يخاف من مستقبله الشخصي. لأن المستقبل عبارة عن توقعات. وكيف تخاف من مستقبل محكوم بوثيقة أسمى من كل القوانين في هذه البلاد. الوثيقة الدستورية تؤطر النظر قبل العمل.
طبعا لو كان هذا الفاعل السياسي يتكلم في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لكان لكلامه معنى. كان المغرب يعيش حالة من التوتر والشد والجذب، وكان متأثرا مثله مثل باقي الدول بحالة الاستقطاب الدولي بين المعسكرين الاشتراكي والليبرالي، وبالتالي كانت الحالة السياسية مضطربة.
في بداية التسعينيات دخل المغرب مرحلة جديدة تميزت بمحاولة القطع مع الماضي وإنصاف الضحايا وإدخال المعارضة للحكومة لأول مرة توجت بحكومة التناوب، وهي عنوان المصالحة التاريخية. كل هذه الظروف تم استثمارها من قبل جلالة الملك محمد السادس لبناء دولة جديدة ومغايرة، لا يزعم فيها طرف أن الآخر كان على خطإ، ولكن هذه بلادنا نبنيها جميعا، وتميزت هذه المرحلة، بالاستجابة السريعة لمطالب الشارع التي تضمنها خطاب التاسع من مارس التاريخي.
أعقب ذلك إنجاز دستور ثوري بكل المقاييس ولو بمقياس المحلية، وبمقياس الظروف التي يعيشها المغرب، ووضع حدودا ومعايير للعمل السياسي، وتحدث لأول مرة عن اختصاصات واضحة لكل المؤسسات بما فيها المؤسسة الملكية ومؤسسة رئاسة الحكومة، بل أولى المعارضة عناية خاصة وتحدث عنها في الفصول الأولى، فما ذنب الدستور إذا كان الفاعل السياسي ألف الكراسي الوزارية ولا يريد العودة إلى صفوف المعارضة التي جسدها حزبه ذات زمان بكامل الصدقية والمصداقية؟