أراد أن يكتشف الشرق، فإذا به صُدْفة يكتشف [الأرض الجديدة] التي سُمِّيتْ في ما بعد [أمريكا] نسبةً إلى الإيطالي [أمِريكو فاسبوتْشي].. كان [كريستوف كولومبوس: 1451 ــ 1606] قد فتح بابَ الاكتشافات، وأبوابَ الاستعمار الناهم للعالم الجديد، لتبدأ المأساة الدّموية الجديدة ويبرز للوجود نوعٌ آخر من العبودية، والسّرقات، والقتل، أكثر ممّا عرفه التاريخُ سابقًا.. لكن من هو [كولومبوس]؟ إنه إيطالي، ولد في مدينة [جينْوة]، عمل بحّارًا، واستبدّت به فكرةٌ قويةٌ هي أنه يمكن العثور على طريق أخرى للشرق عبر المحيط الأطلسي؛ فأقنع الملكة [إيزابيلاّ] بالإنفاق على مشروعه، ولأوّل مرة في التاريخ، تكشف البحوثُ أنّ [كولومبوس] استعان ببحّارة عرب لدرايتهم بالبحر وأهواله؛ فهم إذن من مكتشفي [أمريكا] تاريخيًا، وهم اليوم من ضحايا السياسة الأمريكية الماغولية لهذه الدولة الماكرة والجشعة..
بدأتْ رحلةُ [كولومبوس] يوم (03 غشت 1492)، وتوقّفتْ سفنُه في جزر (الكناري) قبالة الشواطئ المغربية؛ وغادرتِ المكانَ يوم (06 شتنبر)، واتجهت غربًا، وكانت رحلةً شاقّةً وطويلةً، وقد فزع البحّارةُ، وفكّروا في العودة، فارتكب [كولومبوس] فيهم مجازر، تحاول كتبُ التاريخ المدرسي تفاديها. كان أسطول [كولومبوس] يتكوّن من ثلاث سفن، استطاعتْ سفينتان منه الفرار والعودة من عرض المحيط، وهما [لانينْيا، ولابِينْتا]؛ فتابع [كولمبوس] بما تبقّى معه من الرّجال رحلتَه على متن سفينته الرئيسية [لاسانْتا ماريا]، ومَن مات منهم أو مرض كان يلقي به إلى أسماك القرش؛ وفي يوم (12 أكتوبر 1492)، وبشكل فُجائي تمامًا، ظهرتِ الأرضُ أخيرًا من بعيد.. عاد إلى [إسبانيا]، ولقي استقبالا عظيمًا، ثم قام بثلاث رحلات أخرى، وعلى كلّ أرض اكتشفها كان يغرس علَم [إسبانيا]، ثم ارتابت في أمره الملكةُ [إيزابيلا] وعزلتْه، وأعادتْهُ مكبّلا بالسلاسل في يديه وقدميْه، و[كولومبوس] كان طمّاعًا، وعنيفًا، وعصبيًا، وقد عامل الهنود الحُمْر معاملةً وحشية، مدشّنًا بذلك مسلسلَ القتل الجماعي الذي عرفتْه القارة طيلة تاريخها الدموي..
فُتِح بابُ ما يسمّونه [الفتوحات]؛ ففي سنة (1528) كلّف الملكُ الإسباني [كارلوس الخامس] القائد العسكريَ العنيف، والمجرّد من الإنسانية، ويُدْعى [فرانسيسكو بيسارُّو] بغزو [البيرو] ويفتحها لحساب [إسبانيا]، ويحطّم حضارةَ [الأنكاس] التي كانت قائمةً هناك، ولكنْ كيف سيتغلّب عليها يا تُرى؟ وهنا تبدو غرابةٌ يذْكرها التاريخ، وسنذْكرها نحن لتحذير العرب والمسلمين من الخرافات، والأساطير، كالمهدي المنتظَر، وغيره ممّن يقال إنهم مُصْلحون سيأتون ليجدّدوا الدين، ويَبْسُطوا السلامَ، والعدل في الأرض، فيصدّقهم الجهلاء، والمتخلّفون. اسطحب [بيسارّو] معه (177) رجلاً، و(12) حصانًا ليقهر جيشًا تِعْدادُه (05) آلاف من الرجال، وقد قهَره فعلا، ودمّر حضارةَ (الأنكاس) التي ما زالت وإلى اليوم آثارُها بادية في (مانشو بيكتشو) التي تعتبر من [العجائب السّبع] في (البيرو)؛ جاء قائد (الأنكاس) إلى لقاء [بيسارُّو] في الشاطئ، دون سلاح، لكنّ الغازي الإسباني انقضّ عليه وسَجنه؛ ورغم أنّ قائد (الأنكاس) قد دفع فديةً من ذهب تبلغ أكثر من [28] مليون دولار، فإن [بيسارّو] أعدمه بعد شهرين؛ فهو يعرف أنّ (الأنكاس) إذا سقط قائدُهم، ألقوا السلاح، لأنه يعتبَر (نصْف إلاه)، وبدونه يكون النصر مستحيلا، وانتهت المذبحةُ في نصف ساعة، ولم يمُتْ ولو جنديٌ واحد من الإسبان، وهكذا أُعدم قائدُ (الأنكاس)، وكان يسمّى [أنا هُولايا]، وكانت الخرافة هي الأصل في استعمار (البيرو)..
كان [بيسارّو] رجلا عنيفًا، ومقدامًا، وغدّارًا؛ وكان رجلا متديِّنا جدّا؛ ويقال أيضًا إنه كان بخيلاً، وشحيحا ولعلّه أكثر الغزاة الإسبان عنفًا، ودموية.. اغتاله رجالُه، ولـمّا سقط على الأرض، كانت آخر كلماته: (يسوع المسيح).. و[المسيح] كان نبيّ سَلام، لا نبي غدْرٍ، وقتْل، وإبادة، وسرقات.. وهكذا، دمّر [بيسارُّو] قوةً هائلة، وعجّل بنهاية هذه الإمبراطورية، وفتح الطريقَ الطويل الهادئ إلى استعمار أمريكا الشمالية، وكان انتصارُ [بيسارُّو] سهلاً، ومريحًا، لأنه استغلّ الخرافةَ بشكل جيّد، كما تُسْتغلّ الخرافاتُ اليوم في تدمير العالم العربي، وما [داعش والنّصرة] إلاّ نتاج مباشر لهذه الأساطير، التي تُلصَق بالدّين، فتشلّ العقل، وتُنهِك الفكر، وتقتل الإنسان، وتحكُم بالتخلّف على الأمم، وتجذبها إلى الخلف، فيعتبرها الجهلاءُ حقيقةً، ودينًا، فيقدّسونها، ويُعْلون من شأن مروّجيها الكذَبة، فيشجّعها الاستعمارُ عن طريق المنظمات الهدّامة، بمساعدة عملائه؛ وما يعانيه اليوم عالـمُنا العربي بسبب الخرافة والتخلف، ليذكِّرُ بما آلت إليه حضارة [الأنكاس] في [بيرُو].