طه لمخير
كان للموقف الذي اتخذته الدولة حيال حملة المقاطعة، وهو موقف الحياد التام، أبلغ الأثر في ضرب استراتيجيات الركوب والاحتواء الذي كانت قد بدأت ماكينة الدعاية الاسلامية ترويجها عبر أبواقها الإعلامية، موقف كان من العبقرية بمكان في تفويت الفرصة على من كان يرجو أن تكون المقاطعة وسيلة جديدة لبلوغ مآربه السياسية وورقة ضغط يشهرها في وجه السلطة ويزعزع بها موازين القوى.
إن تحرير الإرادات داخل السلطة بلغ نقطة المساواة حتى على مستوى الأفراد، وهذا ما جعل بعض المنابر المشبوهة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي تضرب أخماسا في أسداس وتعيد مراجعة موقفها من المقاطعة، واضعة فروضا وتخمينات عادة ما تنتهي إلى نظرية المؤامرة على الشعب.
إنهم لا يتفهمون-بمنطقهم الشمولي- هذه التعددية "المخزنية" التي ضربت ميكانيزمات القطيعة المبيتة، ولم تسنح بجو تنمو فيه روح الاستقطاب والعسكرة؛ لأن العمل كان متوجها إلى حفر خنادق وجيوب للمقاومة على اعتبار أن الدولة ستكون في معسكر والمقاطعة ودعاتها في معسكر آخر، لكن هيهات!.
إحدى تلك المنابر جعلها موقف الدولة الديموقراطي تعيد حساباتها الأولى؛ فبعد أن كانت تطلق على المقاطعة "ثقافة شعب"، أضحت بين يوم وليلة "صنيعة مراكز قوى" كما كتب أحدهم يقول: "نحن عموم المواطنين البسطاء، نشك بدورنا في وجود أياد خفية وراء إطلاق مبادرة المقاطعة من داخل مراكز القوى"(!)
وبصرف النظر عن انتفاخ النرجسية في ادعاء تمثيل "عموم المواطنين البسطاء"- وقائل هذا الكلام، أكيد ليس أحدهم-فإن هذا الانقلاب الراديكالي المباغت، إن دلنا على شيء؛ فهو يدل على منطق الربح والخسارة الضيق، حيثما يصبح التوافق الشعبي مع أريحية السلطة مضرة بالغة لتيار الاستعداء الشامل والنكاية في السلطة، ويميت كل محرض وحاقد وجعجاع،ولهذا كان لإبطال مفعول الركوب الأخير، أثر بالغ التبكيت على أعداء الاستقرار في البلاد.
صاحب الدابة،عندما تمرض دابته أو تتقدم في السن وتصبح عبئا عليه؛يقتلها،لأنها لم تعد صالحة للركوب والتحميل، وهم اليوم يقتلون الحملة لأنها صارت عبئا عليهم.
مشكلتهم كونهم حاصروا عزيز أخنوش ظنا منهم أنهم يحاصرون الدولة، ظنا منهم أنهم وقعوا منها على نقطة ضعف يمكن ابتزازها من خلالها، لكنهم أبانوا مرة أخرى عن جهلهم المركب في ما يخوضون فيه، ولحد الساعة لا زالوا يعتقدون أن المملكة بكل تاريخها ستقف يوما مع رجل أعمال ضد الإرادات الشعبية المتوافقة مع روح العدالة.
هؤلاء، لارتباطاتهم العضوية مع تيارات المشرق العربي، يفتقرون إلى لطف التمييز، لا يكادون يخرجون في تحليلاتهم النظريةعن معارك جماعة الإخوان المسلمين مع نظام عبد الفتاح السيسي.
فالخطاب السياسي التحريضي والعدمي لهذه التيارات إنما يستمد عالمه المتخيل من واقع مغاير للحياة السياسية المغربية، وبذلك نصبح أمام ظاهرة غريبة في السياسة يمكن أن نطلق عليها "المازوشية السياسية"، حيث يستجلب المرء أوضاعا تعذيبية ومآسي وانتهاكات حقوقية تمر بها جماعات أخرى في مجتمعات مختلفة؛ليسقطها على واقع سياسي مغاير.
يشعر الإسلامي في المغرب أنه عضو في الجسد الإسلامي في المشرق؛ وبالتالي فإن نصيب "الابتلاء" الذي يعيشه الطرف المشرقي لا بد للعضو المغربي أن يكتوي بناره، أو على الأقل يحاول أن يختلق جوا مماثلا من المعاناة حتى ولو على مستوى الادعاء والافتراء، حيث يصبح كل شيء معدّ للعبث والتشنيع.
#الملكية هي الحلّ