هشام بوعلي*
بين الفينة والأخرى يطفو على السطح موضوع؛ يكون شخصا أو حادثة أو أغنية... في فيديو أو صورة، يخلق "البوز" بين المغاربة، يثير الإعجاب أو الاستهجان، يناقش ويعلق عليه. بعد مرور يوم أو اثنين، يظهر موضوع جديد، يكون مثار نقاش، يخلق الحدث مجددا، فينسى الكل الموضوع السابق ويختفي.
هذه دورة حياة "البوز" في الويب المغربي؛ ولادة ثم جدل ثم بوز جديد. فكيف يصنع "البوز" بالمغرب؟
البوز.. إثارة مبتذلة
يرى مصطفى الشكدالي، الباحث في علم الاجتماع، أنه "عند الحديث عن البوز يجب أن نعود إلى أصل الكلمة؛ فكلمة البوز هي ضمن نسق التسويق بمعنى نوع من إثارة انتباه الآخر أو السيطرة على عقله وأحاسيسه من أجل منتوج معين، فلو قمنا بإنجاز بحث سوسيولوجي في الشارع المغربي، بالأدوات العلمية حول ماذا تعني كلمة البوز سنجد أجوبة متعددة، وأفترض أننا سنصل إلى أنه هو نوع من الإثارة التي فيها ابتذال".
وأضاف الشكدالي، في حديثه مع هسبريس: "الآن نلاحظ أن الكل يتحدث عن البوز؛ ولكن الفهم الذي أخذه في إطار النسق التجاري الاستهلاكي، أصبح يأخذ أبعادا أخرى تصل حتى الإثارة المبتذلة بمعنى أن ما يثير الآخر هي الأشياء التي تدخل في الحميمية لذلك نجد صورا فيها نوع من المس بحميمية الأفراد، ما يعني أن كل هو طابوهي أصبح يستعمل للحصول على المشاهدات والإعجاب".
وأوضح الباحث في علم الاجتماع أن "حتى الأغاني التي تخلق البوز مؤخرا صارت تحمل إيحاءات جنسية، وهذه كلها مسائل تخاطب اللاشعور وتخاطب المكبوت لدى الناس، وبالتالي المشاهدة ترتفع، وكأن ذلك المسكوت عنه أصبح يفصح بطريقة فيها إثارة مبتذلة؛ فالبوز كما يفهمونه هو الإثارة بعرض ما هو مكبوت وما هو جنسي".
وأشار المتحدث إلى أن "هناك توافقات وتواطؤات داخل المجتمع بخصوص مجموعة من القضايا، والذين يذهبون إلى البوز بهذه الطريقة، يستعملونه كأنهم يريدون أن يقولوا نحن أكثر جرأة في طرحنا لهذه القضية، في حين هذا تجرؤ وليس جرأة، على اعتبار أنه يبحث في المكبوت ويحاول أن يبعث به في الشبكة المعلوماتية".
وعند حديثه عن أغنية يونس البولماني الأخيرة التي خلقت البوز بالمغرب، قال إن "هذه الأغنية جاءت كرد فعل على بعض الأغاني المبتذلة التي تحاول أن تصنع البوز؛ لأن فيها مغنيا غير مشهور، بآلات موسيقية متواضعة وتحت خيمة وبكلمات بسيطة، فجاء الإقبال عليها كبوز مضاد للبوز الأول، الذي تحاول الأغاني الأخرى تحقيقه بأي ثمن".
وأورد صاحب كتاب "المجتمع والافتراضي"، في حديثه عن "تحديات بعض المجموعات الفيسبوكية" التي تحمل أبعادا جنسية، والتي خلقت جدلا في الفيسبوك، أننا "سنصل إلى ما هو أسوأ من الصور والفيديوهات الخليعة التي تصنع البوز؛ لأنه، في آخر المطاف، ما كان يمارس بشكل حميمي وداخل تجمعات بشرية محدودة أصبح اليوم يمارس عن طريق الافتراضي علنا".
وأكد أن "الظواهر التي تشهدها الآن هذه التجمعات في وسائط التواصل الاجتماعي، كانت متجذرة داخل المجتمع؛ لكن بشكل محدود، ولم تكن هناك وسائط الاتصال لتوصله؛ والمشكل هو أن هذه التكنولوجيا الرقمية تقوم بتعريتنا عن طريق ما يسمى بالبوز، لأن الكثيرين لا يفهمون أن العالم الرقمي ليس افتراضيا بل هو وجود عن بعد".
البوز يصنع على مستويين
مصطفى الفكاك، صاحب شركة صناعة الإشهار "أكوستيك"، قال، في المقابل، إن "مستخدم الويب المغربي لا ينجر بالضرورة وراء الطابوهات والفضائح؛ فعندما يعرض عليه محتوى تثقيفي وتعليمي جيد، فهو يتابعه، إذا كانت صناعة المحتوى متقنة ومبدعة وتحترم ذكاء المتلقي فإنها ستخلق البوز، فالمشكل مع المتلقي هو طريقة الطرح وليس نوعية المضمون المقدم".
وعن نوعية المحتوى الذي يحقق الانتشار ويخلق البوز بسرعة، أكد أن "البوز يلمس المخيال الجمعي للبشر، فعندما يعرض المحتوى الطابوهات، فإنه يثير هذه الجماعة لتشاهد ماذا يقع، لكن هناك جوانب أخرى لا تعالج الطابوهات ولكن تحدث البوز".
وأوضح اليوتيوبر المغربي أن البوز يصنع على شقين؛ الأول على مستوى المحتوى، حيث إن "المحتوى الأصلي الحقيقي، الذي يحمل معه مجموعة من المشاعر يتفاعل معه الجمهور بطريقة كبيرة لأنه يثير إعجابه، مثلا شخصية الطفل "لو بخاسون"، الذي يعكس صورة حقيقية لطفل مغربي".
وأضاف أن المحتوى الأصلي "يكون بشكل طبيعي يحمل رؤية حقيقية غير مزورة، مثل، فيديوهات لوبخاسون أو فيديو البولماني، أو يكون عبارة عن عمل فني يضم فنانين ومخرجين لإنتاج فيلم يخلق الحدث. أو يلامس ويعالج حدثا راهنيا؛ فهو يخلق البوز، غير أنه يكون لحظيا ولا يؤثر بالضرورة على الحالة العاطفية للمتابع، فهو بوز يركب على الموجة".
والشق الثاني في صناعة البوز، حسب الفكاك، هو "طريقة الانتشار، فإن كان المحتوى جيد وأصلي يسهل انتشاره، عن طريق أفراد وصفحات، وهكذا يحقق البوز، أما إذ لم يكن جيدا ولا يقدم حدثا أو موضوعا فريدا فيذهب طي النسيان".
وعن سعي العديد من الفنانين وراء البوز بأي ثمن، قال إنهم "يصلون إلى أهدافهم لكن بطريقة رخيصة، وتخلق مشاعر سيئة لدى الجمهور، فبالرغم من أن الشهرة تحققت؛ لكن الإشكال هو هل حافظ الفنان على صورته الجيدة مع الجمهور ليحضر في سهراته وحفلاته، حيث إن البوز الذي خلقه سلبي".
وختم الفكاك قوله بأن الدراسات المنجزة من أجل فهم رغبات ومتطلبات الجمهور المغربي في مجالات الماركوتينغ والبوز، تظل ضئيلة ومنعدمة، فيتم إسقاط تجارب تم إجراؤها على الأجانب على المغاربة، وهذا أمر خاطئ لأنه لكل مجتمع خصوصياته، وطريقة تفاعله في الويب.
*صحفي متدرب