كثيرةٌ هي المنظمات والجماعات الانفصالية التي سادت بفعل دعْم كان يأتيها من جهات كانت توظّفها لمصالحَ خاصّةٍ بها، ومع ذلك يثبت التاريخُ أنها بادت أو عادت إلى صفوف الشعب، بفعل تماسُك صفوف الشعب، أو تخلّى عنها من كانوا بالأمس يدعّمونها بالمال، والسلاح، ويُرْشون ديبلوماسيين كانوا في المحافل يتحدّثون باسمها، وبلدان كانت ترفع الأصابع في المؤتمرات لصالح الانفصال؛ كل ذلك لم يُجْدِ نفعًا لتماسُك الشعوب التي كانت ضحيةً لمحاولات انفصالية، فضحّت بالغالي والنفيس في سبيل وحْدتها، وتماسُك شعوبها، وسلامة أراضيها، مدعَّمة من طرف دول لها مواقف شريفة، ترفض الكيانات القزمية التي تقوم على تقسيم دول عريقة.. لقد قاومت هذه الشعوبُ بالسلاح، والديبلوماسية، فوجدتِ السندَ والمدد، وحافظت على وحدتها الترابية بفضل مواقف هذه الدول الشريفة التي لم تكن مواقفُها معروضةً للمساومة أو البيع لصالح الانفصاليين ومَن يقف خلفهم بدعوى تقرير المصير، أو الاستقلال لخلق كيانات مصطنعة تصبح عالةً على العالم بأسره.. قد يسألني القارئُ الكريم: هل يذْكر التاريخُ دعوات انفصالية تلاشت، وأصبحتْ في خبر كان رغم سنين طويلة، مارستْ فيها الإرهاب، والقتل، والخداع؟ الجواب: ذاك هو موضوعنا..
سوف نبدأ بأوربّا التي تتلكّأ اليوم، وتقف إلى جانبنا موقفًا خجولاً، لا يتلاءم وعظمتَها وعراقتَها، ناسيةً ما عانته هي نفسها من الجماعات الانفصالية في تاريخها.. لقد عانت [فرنسا] من محاولات الانفصال بمساندة الخونة الفرنسيين الجرمان في منطقة [ألزاس ــ لورين]، وساعدهم في ذلك النازيون، وصارتِ المنطقة ألمانيةً، ورُفعَت أعلامٌ أخرى على المؤسسات، والمدارس.. ولـمّا تحرّرت [فرنسا] من الاحتلال [النازي]، عادت [ألزاس ــ لورين] إلى فرنسا، ولم يعترض أحدٌ على الحق؛ بل أُعْدِمَ وزيرُ الإعلام في حكومة [ڤيشّي] الذي كان يروّج لهذا الظلم ضدّا على بلده، وأعني به [فيليب هانرِّيو].. بعد هذا، عانت [فرنسا] من الانفصاليين في جزيرة [كورسيكا]، وقد دأب هؤلاء على اعتماد الإرهاب، وتفجيراتٍ، واغتيالات في صفوف القضاة، ورجال الدّرك في مدينتيْ [باستيا وأجاكسيو] الكورسيكيتين، وبعد سنين طويلة ودموية، وبعد مساندة الدول الأوربية لفرنسا، وعدم اعترافها بالانفصاليين، وضع هؤلاء السلاح، وانخرطوا في الانتخابات، وعادوا إلى صفوف الشعب، بعد شعورهم بعدم شرعية مشروعهم الانفصالي… كتبتِ الأقلامُ الجادّة مخاطبةً الانفصاليين قائلةً: [لو لم يكن الكورسيكي (نابليون) فرنسيًا، فهل كان الفرنسيون سيقْبلون به إمبراطورًا على (فرنسا)؟ وهل كانوا سيطيقون حكْم (آل نابليون) في بلادهم، ثم أي مستقبل لكورسيكا خارج فرنسا؟ ثم أضافت أنّ هذا الكلام، يُلْقى للعقلاء، لا للقتلة، والمغامرين، بمستقبل بلدهم.]؛ وهذا ما نقوله نحن اليوم، لدعاة الانفصال، الذين تدْعمهم [الجزائر]، حيث المغاربة الصحراويون يوجدون في شمال المغرب، ثم صحراويون كانوا يديرون شؤون البلاد السياسية، والدّينية، والاجتماعية، عبر التاريخ، ثمّ لو لم تكن الصّحراءُ مغربية، هل كان سيزورها مرارا وتكرارا ملكُ المغرب [مولاي الحسن الأول]، فيجدّدون له البيعةَ، خلال كل زيارة للصحراء؟ ثم أيّ مستقبل للصحراء خارجَ المغرب؟ كلامٌ نسوقه للعقلاء، لا للعلماء الخونة لبلدهم..
كان الطيار والكاتب الفرنسي [أنطوان دوسانت إيكزوبيري: 1940 ــ 1944] عندما يكون متّجهًا بطائرته نحو الأعماق الإفريقية، كان ينزل دائما، ذهابا وإيّابا، مرّة في [طرفاية]، ومرة في [العيون]، ومرة في [الداخلة]؛ وكان صديقا حميما لسكان هذه المدن، وكان يحتسي معهم كؤوس الشاي، وقد نُحتَ له تمثالٌ يخلِّد ذكراه بعد سقوط طائرته في البحر الأبيض المتوسط، خلال طيران استطلاعي في الحرب العالمية الثانية سنة (1944)، وقد عُثِر على طائرته في أعماق البحر سنة (2002).. كان هذا الكاتب والطيار يذْكر في كتاباته (المغاربة) فقط، وهو يعني بهم سكان الصحراء.. إن شياطين اللغة كذبوا ثلاث كذبات: الأولى عندما كانوا يسمّون الصحراء المغربية بالصحراء الإسبانية.. والثانية عندما استبدلوا الشرق العربي بالشرق الأوسط، لإزالة الصبغة العربية عنه، حتى يسهل غرسُ كيانٍ مفبرك فيه، وهي دُوَيْلة (إسرائيل) وهي ليست عربية، وإنما مصطنعة.. والثالثة هي الصحراء الغربية، بدل المغربية، تمهيدًا لغرْس كيان وهمي في صحرائنا المغربية، وهي الجمهورية الوهمية.. هذه الجمهورية المرّيخية، ستمكّن [الجزائر] من أن يكون لها منفَذٌ إلى المحيط الأطلسي، تماما كما كانت [دَانْزِيك] منفذًا إلى بحر (البلطيك) لبولونيا وسط أراضي الجيران بعد مؤتمر [فيرساي]، ومن هذه المدينة انطلقتْ أولُ قذيفة في الحرب العالمية الثانية كما رأينا آنفًا؛ ولكنّ المغرب لن يسمح بإسرائيل جديدة في صحرائه، أو بإقليم [السُّوديت]، ولن تصير [الداخلة] هي مرفأ [دَانْزيك] ولن يُحرمَ المغربُ من عمقه الإفريقي.. أسرَّ (بومَدْين) لحاشيته أنه لو كان يعلم أن المغرب سيصمد أكثر من (06) أشهر لفكّر مليًا، فسمّموه، وأراد (بوضياف) تصحيحَ الخطإ فاغتالوه..