نحن هذا الصباح في يوم [01 شتنبر 1939].. كان الجوُّ صحوًا، وإنْ كانت بوادرُ انتهاء الصيف تلوح في الأفق.. كانت [بولونيا] التي ترزح تحت وطأة إقطاعية عادت للوجود فجأة بعودة [بولندا] للظهور على خريطة أوربّا الشرقية، ولم تعدْ جزءًا من [أوكرانيا] بمُوجب قرارات (قاعة المرايا) في مؤتمر [ڤيرساي] سنة [1919] الذي طغتْ عليه سياسةُ [كليمُنصو] الصهيوني الفرنسي، وزير خارجية [فرنسا] آنذاك، والذي ارتأى اقتطاعَ ميناء [دانْزِك] من [ألمانيا] المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، وضمِّه إلى [بولونيا] حتى تتمكّن من أن يكون لها منفذٌ على [بحر البلطيق] دون الإكتراث بوحدة [ألمانيا] الترابية.. قال الجنيرال الفرنسي [فوش] محذِّرًا من هذه السياسة تجاه [ألمانيا]: [هذا ليس سلامًا ولا سياسة عادلة؛ بل هو مجرّد هدنةٍ لن تطول أكثر من (20) سنة.] وصدق الرجل..
نعود إلى (01 شتنبر 1939).. كان [هتلر] الممتلئ كراهيةً تجاه [بولونيا] قد بعث بسفينة مدمّرة إلى ميناء [دانْيزِك] في زيارة صداقة وحُسْن جوار، وكان هذا هو ما أعلنت عنه [ألمانيا النازية] وصدّقتْه [بولونيا] الراقصة، والتي تعيش مهرجانات صاخبة، وحلبات رقص، وليالي حمراء، على أسطح سفن عسكرية قديمة، استحالت إلى قصور عائمة، وبذْخ، وخلاعة اختلط فيها الجنيرالات بنياشينهم على صدورهم، وإقطاعيين أثرياء بألبستهم الفاخرة، بنساء زَجَّجْن الحواجبَ والعيون، في فساتين (سواريهْ)؛ وفي الساعة السابعة تماما، أطلقتْ سفينة (الصّداقة وحُسْن الجوار) أول قذيفة على (دانزيك).. في بادئ الأمر ظن البولنديون أنها تشاركهم لياليهم الراقصة، ولكن لما بدأتِ المباني تُدمَّر على رؤوسهم، والقتلى يتراكمون في الشوارع، والنساء تتعثّرن بسبب (فساتين سواريهْ) في الأزقّة، وقد أمتعتْهم منصّةُ مدافع السفينة بموسيقى الموت، تماما كما تُتْحفنا كل سنة منصّاتُ [مهرجانات عدّة]، وكما ستُتْحفنا هذه السنة كذلك، ونحن بحاجة إلى يقظة، وتعبئة شاملة، بعد تحرُّش [البوليساريو] ومن ورائه [الجزائر] إلى جانب خونة في الداخل والخارج، ناهيك عن أحزاب كفر بها الشعبُ إلى أبد الآبدين.. قام عمّال البريد، وعمّالُ الميناء، ومنظفو الأزقة بالرد على المدمّرة الألمانية ببنادقَ تذكِّر بالقرن التاسع عشر، وهؤلاء، هم الشعب، ولكنْ هيهات أمام قصْف مدمِّرةٍ متطوِّرة..
بعد منتصف الليل، أتتِ السيدة [ترودَل] طبّاخة [هتلر] بمائدة كبيرة، عليها (طورْطة) تمثّل خريطةَ [أوربّا]؛ فأخذ [هتلر] سكِّينا، واقتطع لنفسه قطعةً، وقد قطّعَ (الطورطة) على طول نهر [الفيستولا] ولـمّا سئِل عن السبب، قال إن القسم الشرقي من [بولونيا] نتركه للصديق والحليف [ستالين]، ثم قَضمَ (الطورطة) قائلا: [كَمْ هي لذيذة بولونيا هذه!].. والتفتَ إلى الجنيرال [هانس غوديريان]، صاحب نظرية [الحرب الخاطفة] أي [البليزكريغ] وقال: [ما هي مبادئ الحرب الخاطفة؟]؛ أجاب الجنيرال [غوديريان]: [هجوم كاسح بالدبابات، مع إسنادٍ جوّيٍ ساحق].. وفي الخامسة فجرًا، بدأت [البليزكريغ] على [بولونيا]؛ فواجهها البولونيون بالبنادق والخيول، أما الطائرات القديمة، فقد دُمّرتْ وهي جاثمة في المطار لأن الإقطاعية الحاكمة لم تتوقعْ هذه الحرب إطلاقا، وكانت ترتكز في الدفاع عن أرضها على صداقة [فرنسا وبريطانيا] اللتين سلّمتا [تشيكوسلوفاكيا] للزعيم [هتلر] على طبق من ذهب، يعني [فرنسا الاشتراكية] بقيادة رئيس الحكومة [دَلادْيي] الاشتراكي، و[بريطانيا العمّالية] بقيادة رئيس الحكومة [شَمْبِرْلين]..
أُقيم استعراضٌ مشتركٌ للجيش الرمادي (لاَڤيرْماخت) النازي، ونظيره الجيش الأحمر الشيوعي في شوارع [فارسوڤْيا] عاصمة [بولونيا] الذّليلة، والمهزومة؛ وإلى اليوم، يزيلون صورَ هذا الاستعراض مِن كتب التاريخ في المدرسة.. وكتعليق على ما لحق بهذا البلد الذي آمن بالسلام، وكان على خطإ قال [هتلر]: [لقد صدق (نابليون) حين قال: [الحقيقة تخْرج من أفواه المدافع، لا من أفواه (الإيديولوجيين)]. وكان (نابليون) يعني بـ(الإيديولوجيين) المعارضين، والأحزاب، والمثقّفين، إلخ) كالذين رأيناهم مجتمعين في [العيون] وهم يوقّعون، على شاشة تلفزة []، وقد أورثوا الشعبَ الهمَّ والغمّ، وتآمروا على حقوقه، ومصادر عيشه، وكلّفوا الخزينةَ أموالا باهظة مثل [بولونيا] تماما..
فماذا بيد أحزاب صورية وأخرى وهمية، وأخرى لها مقرّات خالية؟ هل ستعبّئ شعبًا لا يثق بها؟ هل ستضخّ أموالاً في الخزينة لدعم الجبهة الداخلية، وهي الأساس بعد الجيش الملكي الباسل؟ فعلى ماذا كانت توقّع بشكل مُمَسْرَحٍ في (العيون) يا تُرى؟ هي كثيرة كغثاء السّيل، وكان عليها أن تحلّ نفسَها وتسلّمَ الدولةَ مقرّاتِها، وأموالَها، مع تغيير الحكومة بحكومة (أزمة واستعداد وتعبئة) مع (13) وزيرًا فقط.. كيف يُعْقَل أنه يوم (11 أبريل 2018) نُظِّمتْ وقفةٌ احتجاجية أمام البرلمان من طرف من يطالبون بإلغاء الإعدام؟ فهل هذا وقْت مثْل هذه التفاهات؟ هل ظروف أمّة مهدّدة في وحدتِها الترابية تسمح بمثل هذه الوقفات؟ متى حدث مثل هذا في التاريخ؟ متى سمحتْ أمة بمهرجانات موسيقية، والأعداء وخصوم وحْدتها متربّصون بها في الداخل والخارج؟ هل هذا معقول؟!