طه لمخير
لنكن حذرين جدا قبل أن نتطاول على السدنة فهم يرعون قطيعا من الأغنام المحشوة بالديناميت في حظيرة الدعوة.. يدفع المريد الكادح كل شهر إتاوة مفروضة على كاهله كرها وغصبا..رسوم الطاعة وصك العضوية صك الغفران.
يراجع السدنة المداخيل والميزانية كل شهر ويحصدون غلة المساكين الذين يمنونهم بمستقبل القومة؛ اصبروا، غدا ستكونون أنتم المقربون ستولون المناصب وتجري في يدكم أموال الغنائموعطايا الأنفال، انتظروا السبايا وليالي الأنس عندما تغزون نساء الجاهليين وتنزون على كراسي الحكم.
بدأ أستاذا في سلك التعليم لا يملك رغيف يومه، بشارب صغير(الموسطاش الهتلريفي الستينات كان عند الإخوانيين بمثابة اللحية عند السلفيين بل إن الإسلامي ذو الشنب يكون في مرتبة المنظر والأب الروحي مثل سيد قطب) وجسد نحيل وعينين تشعان تكالبا على الرياسة والحكم والشهرة، و مات في الثمانين لا كما يموت الأنبياء ولا صالحوا الصوفية وزهادها؛ ولكن مليونيرا دوماليا في أملاكه فيلا فخمة في حي السويسي أرقى أحياء الرباط بهندستها الأوروبية الحديثة وأثاثها الملكي وحديقتها الفسيحة الغناء وعقارات في ربوع البلاد.شي الله آسيدي عبسلام..
الشيخ ياسين وأبالسته المقربون يدعون الاقتداء بالرسول الكريم وحفظ عهوده وسننه؛ في الكتب نعم، في المحاضرات نعم، في الزغب النابت على الخدين نعم، في الدروشة والتهالك المصطنع نعم، في الانحناء والمشي على الأرض هونا كمن يمشي على البيض نعم، لكن عندما يأتي ذكر المال يصبحون من جبابرة الملحدةالرأسماليين الوولستريتيين حيث يصبح المنهاج النبوي مرادفا للمنهاج البنكي.
ألم يكن مسكنالنبي يفتح على المساكين النائمين حول بيته؟، فلماذا لا تأتون بفقراء الأعضاء الذين تستعملونهم جنود احتياط تملأون بهم الشوارع وتكدسونهم أمام عدسات الكاميرات وبعضهم يلعنكم في باطنه؛ فتدخلوهم فيلات الشيخ التي يتقلب في نعيمها البنات والأصهار؟ألم تبنى بمالهم وأقوات أبناءهم؟ ألا يدفعون إلى اليوم الماء والكهرباء ومؤن الزاد والكساء وبنزين السيارات وأجرة البستاني ومصاريف السفر والمدارس الخاصة وحتى الملابس الداخلية الآتية من محلات فيكتوريا سيكريت لآل الشيخ وأسر وعائلات أعضاء مجلس الإرشاد ذوي الامتيازات.
أين هو الاقتداء بالرسول؟ألم يقل أبو هُريرة:لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته!!
أما صحابة الجماعة الرجعيون المتعصبون في كل شيء إلافي بدلهمالعصرية ورباطات أعناقهم الفرنسية وأحذيتهم الإيطالية وأقلام البايلوت التي فضلوها عن ريشة مؤخرة النعام والمحابر العتيقة، وإذا لبسوا الجلابيب فمن القطن المصري الفخم المختار يتسربلون بها حتى يجرون الذيول على الأرض، وكروش بعضهم تتدلى أمامه كالمرأة الحامل في شهرها التاسعحتى يكاد بعضهم يعالج آلام الطلق وهو يحاضر في المجالس. طبعا الشيخ المؤسس كان نحيلا متضائلا ليس لزهده وإعراضه عن ملاذات الحياة ولكن بسبب الدودة النّهِمة التي كانتتكشط كل ما دخل بلعومه ونزل إلى بطنه..
عائشة تقول لنا: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر(قمح) ثلاث ليال تباعا حتى قبض، وتقول: توفي(ص) وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير.وقالت:ما ترك رسول الله عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة
فهل جعل ياسين أراضيه صدقة لأحد من الفقراء أو أبناء السبيل وما أكثرهم؟.أولهم ذلك المسكين الذي يلملم الزبالة والأكياس المتكدسة ببقايا الشواء وأطباق السوشي التي يرميها آل الشيخ خارج الفيلات التي يسكنونها.
أما ياسين فما توفي إلا وقد أمن حساباته البنكية لعياله وأحفاده وأحفاد أحفاده والأصهار وأمن لهم المسكن البورجوازي والسيارات الرباعية الدفع بعد أن نفض نفسه من محيطه الاجتماعي الشعبي في سلا وانتقل لمجاورة علية القوم في حي السويسي لإشباع عقد النقص الطبقية المترسخة في نفسه الحقودة.."فبراكة من الحكرة" ووزعوا القناطير المقنطرة التي تكنزونها لأنفسكم على ضعفاء الأتباع وتخلصوا من الهيراركية المقيتة التي تميز بين المريد السامي مريد الدرجة الأولى والمريد السافل مريد الدرجة الثانية.
تخلصوا من العنصرية والاستعلاء الذي يطبع العلاقة بين جبابرة الجماعة ونبلاءها"ذوي المروؤات" وبين الأميين الكادحين حطب الشوارع والدروع البشريةالذين من غيرهم لكان أمثال فتح الله أرسلان وإخوانه في القيادة مجرد وعاظ خائبين عاطلين عن العمل أو مروضي أفاعي في ساحة جامع لفنا مع احترامنا لمروضي الأفاعي الذين يمنحون للساحة العريقة عبقها الساحر.
براكة من الحكرة..هل يعقل أن تُنفِقُوا أموال الجماعة على رئيس الدائرة السياسية في الجماعة وهو عجوز ضعيف العقل له ستة أحفاد وترسلوه على حساب الضعفاء إلى إنجلترا ليحصد شهادة دكتوراه-من تلك الشهادات التي تعلق على الجدران ليقال لصاحبها دكتور في الدراسات الاسلامية وعلم الغيب-من جامعة اكستر في التأريخ للجماعة وتجميل صورتها في الأوساط الأكاديمية الغربية— وتتركون الشباب الذين كانوا أولى منه بالاستفادة من تلك البعثة؟!!
والذي أثارني في رسالة الدكتوراه هذه التي أعدها عبد الواحد المتوكل بالانجليزية من أزيد من ثلالثمائة صفحة وأنا أطالعها— أن الرجل بنفسه ذكر أن أحد الأساتذة الإنجليز سأله لماذا تريد أن تعد الدكتوراه فأجابه المتوكل:حبا في العلم. ورغم أن حب العلم لا يتطلب أن يستنزف المرء أموال فقراء الجماعة الذين أنفقوا على إقامته ومأكله ومشربه ومركبه وسياحته في بلاد الإنجليز وقراها الخضراء طيلة المدة التي كان يحضر فيها لنيل الدكتوراه؛ فإن السؤال الذي كان ينبغي أن يطرح هو ما الذي ترجوه من إعداد رسالة دكتوراه وتتجشم كل ذلك التعب والعرق (بتعبير المتوكل) عن ظهور ونشأت الجماعة؟!
فبغض النظر عن أن الرجل كان يحلم منذ الثمانينات بشهادة علمية من جامعة غربية "كافرة" طالما لعن شيخه علوم وقيم أهلها وتنبأ بسقوط حضارتهم من منظوره القاصر وثقافته الراكدة الهرمة طبعا— وتحقق حلمه أخيرا على حسابالمريدين المسحوقين؛فإن السبب الأساسي هو اختراق الوسط الأكاديمي الغربي بمواد معرفية مضللة عن تاريخ الجماعة وحقيقة مبادئها وأهدافها إلى جانب الطعن في الأبحاث والرسائل والدراسات الموضوعية المحايدة التي يجريها الغربيون أنفسهمعن ظاهرة الإسلام السياسيوالتي لا توافق خلاصاتها وتوصياتها في الغالب هوى الإسلاميين.
طبعا،الجماعة تستغل كون معظم المواد والإصدارات المنشورة التي تعبر حقيقة دون جمجمة أو إيهام عن أيديولوجية الإسلام السياسي هي باللغة العربية، وما يترجم منها للغات الأجنبية يتم تعديله وتحوير كثير من معانيه وتدوير زواياه وتنوير الدوغما المظلمة حتى تبدو الفكرة الظلامية متوافقة مع الديموقراطية.
ذلك منهم ليضمنوا الدعم الغربي والتعاطف الأوروبي ومحاولة للتأثير على الأحكام القيمية التي تصدرها دوائر صنع القرار ومراكز الأبحاث الغربية وما يترتب عن ذلك من سياسات واستراتيجيات.
لقد ضللوا واستغفلوا غير قليل من المتعاطفين الساذجين خاصة من اليساريين في بلادنا ولا زالوا، بل لقد كان الإسلاميون منذ عقود سببا في الأزمة النفسية والنكسة المعرفية التي كادت تودي بسمعة فيلسوف كبير مثل ميشيل فوكو في فرنسا. ألم ينخدع الرجل الذي دوخ العالم بنظرياته الجنسية وفلسفته عن الموت وعبقريته الفذة في قراءة التاريخ ونقد سلطةالحداثة ووسائلها وطقوسهافي فرض الحقوق والواجبات— لفقيه شيعي خسيس مظلم النفس موبوء الضمير مثل روح الله الخميني؟
ألم يقف فوكو لوحده دونا عن بقية المثقفين الفرنسيين مدافعا عن الثورة الإيرانية وما سماه "السياسة الروحية" التي ستخلف النموذج السياسي والاجتماعي الحداثي الغربي؟ ألم يسافر مرتين قبيل الثورة بأشهر عام 1978 وكان مراسلا متحمسا للثورة الدينية كما تجلى ذلك في مقالاتهالتنظيرية التي كانت تنشرهاصحيفة كوريير دي لا سيرا ولوموند والجريدة اليسارية لو نوفيل أوبزيرفاتور.
وكان أنصار الثورة من الطلبة الإسلاميين الذين أصبحوا قادة الحرس الثوري المرعب يعلقون مقالاته على جدران الجامعات،وعمد إلى غض الطرف عن كل الإشارات الشمولية التي كانت تبعثها الجماهير الإسلامية الثائرة في شوارع إيران ضد حكم الشاه، بل إنالفيلسوف الكبير وظف وسائله المعرفية ورؤيته للنظم الاجتماعية والسياسية والأخلاقيةلماقبل الحداثةللترويج للخطاب الإسلامي السياسي الوليد الآخذ في التشكل في طهران.
وانحدر في مجرىالثورة الدينية في إيران التي اعتبرها آنذاك مولدا للأفكار ورأى في الموت الثوري مصدرا للإبداع الخلاق والخيال الخصب— إلى التبشير بالأزمنة الكنسية الدينية التي سبقت عصر الأنوار، واعتبار نظمها القائمة على الاعتراف الديني بين يدي الكاهن والعقاب البدني الموغل في الوحشية كقانون لفرض القيم والتقاليد الاجتماعية أحسن مما جاء به العصر الحديث منقوانين وآليات سلطوية مبنية على التحليل السيكولوجي والعلاج النفسي لتقويم الانحرافات الاجتماعية والفردية.
لكن فوكو بعد نجاح الثورة الإيرانية وقيام الخميني بإصدار مرسوم بفرض الحجاب على النساء وإعدام المعارضين السياسيين وقطع أصابع الفنانين والنحاتين وقيام جهاز جديد للقمع تحت مسمى الحرس الثوري الإيراني الذي لم يتوان في استدعاء ممارسات القرون الوسطى الأكثر وحشية وهمجية مثل الصلب والشنق في الساحات العمومية—توارى الفيلسوف عن الأنظار ولم يكتب بعدها إلا في مناسبات نادرة لينقد فيها على استحياء الإجراءات القمعية للنظام الثيوقراطي الجديد في طهران رغبة منه في التخفيف من حدة الانتقادات التي وجهت إليه من طرف الأوساط الثقافية والحقوقية في فرنسا بسبب ما قدمه من دعم معنوي وفكري لتلك الثورة المشؤومة.
هذه خديعة الإسلاميين لفيلسوف شيب فكره المثقفين فكيف بصغار اليساريين عندناالذين يترامون إلى حضور ندوات الجماعة ألا يعالجهم الخازوق نفسه مرة أخرى إذ أن كثيرا منهملا يقرأون التاريخ إلا من زاوية واحدة وبمنطق ماركس وإنجيلز القائم على قوة الإرادة في التغيير بدل قوة العقل والمنطق والإقناع.
ومن عجائب ما قرأت من أخبار جماعة العدل والإحسان ما ذكره فرانسيسكو كافاطورطا أستاذ العلوم السياسية في جامعة لافال الكندية أن المريد الذي يطلب الانتساب إلى الجماعة يطلب منه أولا كشرط أساسي أن يكون الشيخ المؤسس قد زاره في المنام وباركه ودعاه إلى الجماعة، شيء شبيه بالبيعة عند الاخوان.
وعندما تأملت هذه الحركة النفسية الغريبة وجدت أن لذلك أثر سيكولوجي على العضو الجديد حتى لا يتمرد على مولاه؛ فهو منذ الوهلة الأولى التي يضع فيها قدماه في الجماعة يعلم أنه عليه أن يتأدب ويخشوشن وينكمش بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله، وكي يعلم دائما أنه ليس إلا عضو حقير"محكور" في الجماعة؛لا ينبغي أن ينسى أن هناك في القمة من يضع يده على مقبض السيف فيطير رأس المريد المحكور المعترض حتى قبل أن يستل السيف المذكور من غمده.
#الملكية هي الحل