أبو أمين
طالعتُ، كما طالع العديد من القراء، بكثير من الاستغراب، التصريحات المنسوبة للمحامي البريطاني “روني ديكسون” على صدر جريدة “أخبار اليوم”، والتي قال فيها (دون إشارة لاسم المترجم)، “إن استمرار اعتقال توفيق بوعشرين فيه انتهاك للمعايير الدولية ولحقوق الإنسان.. وأن الإبقاء على الصحفي في السجن دون التوفر على أساس قانوني سليم هو أمر مسيء إلى المغرب”.
وبصرف النظر عن “عقدة الأجنبي” التي لازالت مستوطنة عند بعض الأوساط المغربية، والتي تظن أن المدرب واللاعب والمحامي الأجنبي قادر على تحقيق المعجزات مقارنة مع نظيره الوطني، وأن كلامه هو نص “أورثودوكسي مقدس” لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من أمامه. ولعلّ هذا ما حدا بجريدة “أخبار اليوم”، ترجيحا، إلى التهليل بتصريحات المحامي البريطاني “ديكسون” حول قضية توفيق بوعشرين، التي هي تصريحات مردود عليها وتبقى محل تجريح قانوني ومخاصمة إجرائية، لعدة أسباب واعتبارات نوردها على الشكل الآتي:
أولا: في الوقت الذي تعمل فيه بريطانيا، الدولة التي يحمل المحامي ديكسون جنسيتها، على تشديد العقوبات على جرائم الاغتصاب المتعددة، وعلى النزوع نحو الاهتمام أكثر بالوضع القانوني والاعتباري لضحايا هذا النوع من الجرائم الجنسية العنيفة، يخرج المحامي المعني بالأمر بتصريحات تيئيسية يُلغي فيها بشاعة الجرائم المنسوبة لتوفيق بوعشرين ويُبخس فيها حق الضحايا، وذلك في ازدواجية مكشوفة المعايير، وفي براغماتية محمولة إلى أقصى تبعاتها.
فبالأمس القريب، أكد رئيس مجلس “إصدار الأحكام البريطاني” اللورد تريسي في تصريح لوسائل الإعلام، “هناك مثال معين، حيث اتخذنا قرارا إيجابيا بزيادة العقوبات. إنه يرتبط بحالات الاغتصاب التي تصاحبها عمليات عنف حادة. ولهذا سننصح بأن تبدأ العقوبة من السجن لخمسة عشر عاما، وهي العقوبة التي كانت محددة لحالات الاغتصاب المتعددة”. أكثر من ذلك، يضيف اللورد والقاضي تريسي، “خلال الفترة ما بين خمسة عشر إلى عشرين عاما الماضية، أقر النظام القضائي بموقف الضحية، لكن لم يفعل الكثير من أجلها في الماضي، قواعدنا الإرشادية تركز أكثر على ما حدث للضحية، والعمل الذي نقوم به يشمل مشاورات أساسية مع مجموعات دعم الضحايا حتى نتمكن من فهم وجهة نظرهم”.
وفي سياق متصل، ركزت مقاربة وزارة العدل البريطانية على توفير “إمكانية للضحايا تسمح لهم بقراءة بيانات في قاعة المحكمة عن التأثير الشخصي الذي عانوا منه بمجرد إصدار الحكم وإدانة المتهم”.
وعلى النقيض من التوجه الرسمي للمشرع الإنجليزي ووزارة العدل البريطانية، خرجت جريدة “أخبار اليوم” بتصريحات للمحامي ديكسون يقول فيها، أو ربما نسب له، “إن طريقة اعتقال بوعشرين والسياق الذي تم فيه، ترقى إلى درجة الاعتداء المباشر على حرية الصحافة والتعبير”، فعن أي اعتداء يتحدث هذا المحامي؟ إننا أمام جرائم اغتصاب ممنهجة ومتعددة ومقرونة بالعنف، يعاقب عليها القانون المغربي مثلما يعاقب عليها القانون البريطاني وسائر التشريعات المقارنة، بالسجن لسنوات عديدة تتلاءم مع خطورة الأفعال المرتكبة، ولسنا أمام جرائم تندرج في إطار حرية التعبير!
ثانيا: في الوقت الذي يتحدث فيه المحامي ديكسون عن “الاحتجاز ما قبل المحاكمة باعتباره استثناءً في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مطالبا بالإفراج عن توفيق بوعشرين”، تتعالى أصوات الحقوقيين وتتصاعد نبرة الاستهجان الدولي لإجراءات الحجز الإداري التي تعتمدها بريطانيا بالنسبة للأجانب مرتكبي الجرائم والهجرة غير المشروعة فوق أراضيها. فقد كشف آخر تقرير لمفتشية السجون البريطانية على أن ظروف الاحتجاز الإداري في مركز الاعتقال (Harmondsworth) المحاذي لمطار “هيثرو” الدولي، تبعث على الأسف الشديد بسبب ظروف الإيداع من جهة، وطول مدة الحجز الإداري بدون محاكمة، التي استغرقت بالنسبة لبعض المعتقلين أكثر من أربع سنوات حبسا (تقرير مفتشية السجون البريطانية منشور في مارس 2018).
فالمحامي ديكسون، يؤاخذ على النظام القضائي المغربي اعتقال متهم في جرائم جنسية متعددة على ذمة المحاكمة، بيد أن تشريع بلاده يعتمد قواعد إجرائية وجزاءات أكثر صرامة وقساوة، حيث يُقرّ بنظام الحبس الإداري بدون محاكمة، وهو النظام غير الموجود نهائيا في القانون المغربي، بسبب المؤاخذات القانونية والحقوقية عليه.
ثالثا: إننا ننتظر من المحامي ديكسون أن يقدم مرافعات في الشكل والجوهر أمام هيئة المحكمة، وأن يستعرض فتوحاته الكلامية في الطلبات العارضة وفي جوهر الدعوى، أما أن ينبري هو الآخر في إلقاء الكلام على عواهنه، وأن يستل سيف الدعاية الإعلامية، فإننا نقول له بالصوت العالي “الحمد لله إننا نتوفر على المحامي محمد زيان.. وهو بالمناسبة أكثر منه جسارة وفصاحة أمام وسائل الإعلام”.