طه لمخير
عن حادثة نموذجية في شارع عام تلخص المشهد الشعبي الديموقراطي في بلادنا، هذه الجماهير التي تملأ الفضاء الأزرق وشوارع المدن بالاحتجاجات،هذه الكائنات التي تملأ أشداقها بالمطالبة بالملكية البرلمانية والديموقراطية الكاملة، هاته الجماهير التي تتأبط سجاجيد الصلاة وتقصد المساجد يوم الجمعة وتتمظهر بالطهر والتقوى في شكل الدشداشة الخليجية والبرقع السلفي واللحية والسواك وملصقات ذكر الله على نوافذ السيارات ولا ينسى أحدهم عندما يدير مفتاح السيارة أن يطلق سُوَر القرآن الكريم تعبيرا عن تقواه وإخباته، هذه الجماهير التي تملأ الدنيا ضجيجا وعويلا في جرادة وما جاورها والحسيمة وما حولها لا تجرأ على ردع رجل يفلح وجه زوجته بسكين في الشارع على مرأى الجموع المتجمهرة.
تصرخ المرأة متوسلة بالأرض والشجر والحجر وبكائنات احتفلت بتصويرها، وهي رغم انبطاحها تحت "الذكر" الذي يعنفها تسخر منهم وتنادي:أيها الرجال غوثا..وهي تريد أيها الجبناء يا أشباه الرجال يا قناع الرجولة المزيف.
أهؤلاء الذين يريدون أن يستقلوا بالحكم بعيدا عن "الوصاية"، بديكتاتورية الأغلبية، هؤلاء الذين أعطوا أصواتهم مرة ومرتين لمن يلقنونهم على مدار الساعة الأخلاق الإسلاموية التي انفصلت عن الأخلاق التي يقرها العقل إلى الأخلاق التي يقرها النص فقط، بحيث أن النص إذا لم يرد فيه حرفيا أنه من واجب الإنسان أن يهب لنجدة امرأة يعتدي عليها زوجها فإن أحدا لن يحرك ساكنا. "منّ وليها"إنه زوجها وله أن يتصرف في متاعه كما يشاء، يضربها يسلخ جلدها عن لحمها يعلقها على عمود الحي يجوعها يغتصبها ذلك شأنه.
هكذا تعلمهم جماعات الإسلام السياسي؛ الطاعة العمياء والمرأة المتاع.
ومع ذلك يخرج بعضهم يتبجح في الشوارع منتصرا للقدس بينما يحمل بين جنبيه روحا احتلالية تنتظر الفرصة لغزو العالم، يطلقون حملات وهمية استهلاكية للتنديد بالعنف ضد المرأة وبيوتهم مسالخ للنساء لو نطقت المرأة فيهم للعنت اليوم الذي رأت فيه بعلها.
ألم تصنع الدعوة الإسلاموية جيلا من الناس يتميزون بالطفولة الأخلاقية غير الناضجة التي لا تستطيع أن تتفاعل مع الواقع خارج توجيه حرفي من النص، لم يعد بمقدور الناس أن يعقلنوا تصرفاتهم مستقلين عن شيوخ الإسلاموية، باتوا عاجزين أتم العجز عن تحديد موقف أخلاقي تجاه فعل ما أكان خطأ أو صوابا مشروعا أو غير مشروع بدون الرجوع إلى سلطة الكهنة. لقد أصبحت الأخلاق مزاجيةsubjective)) غير موضوعية؛ لأنها تربط القيم بآراء وأفكار المتسلطين على الدين مع الفصل التام عن أي اعتبار لطبيعة الفعل نفسه.
ألم يمتنع أحمد بن حَنْبَل عن أكل الدُّلاع (الدلاح) لأنه لم يصله خبر أن النبي عليه السلام أكله؟ انظروا مُسند أحمد. ألسنا نرى كيف انتحر العقل والمنطق عندما نسمع أناسا راشدين يستفتون هؤلاء الدعاة المزيفين في أشياء بالغة السخف والإسفاف،و نسمع امرأة تستفتي الشيخ هل هي تكون اقترفت إثما عندما خرجت من الحمام عارية في حضرة كلب؟! فيجيب الشيخ إذا كان الكلب أنثى فلا بأس أما إذا كان ذكرا فقد وقعت في الحرام!!، هذه فتوى من مشيخة الأزهر.
هل كان من الممكن أو المتصور أن تصبح المرأة عدلا في يوم من الأيام ولو بعد مائة عام لو كانت السلطة الروحية بيد هؤلاء (…) من أمثال الريسوني وأضرابه في حركة التوحيد والإصلاح، ألم تعترض الجماعة الصفراء على مدونة الأسرة أول الأمر لكنها عدلت موقفها براغماتيا عندما أدركت أن الموجة عالية.
أهذه بالله عليكم شعوب يرخى لها حبل السياسة؟ هل تدرك حقا مبادئ الديموقراطية وقيمها؟ أهي قادرة على إدارة الدولة والسياسة الخارجية والملفات الشائكة على النحو الذي تديره المؤسسة الملكية؟ ماذا لو كان ملف الصحراء بأيديهم؟ ماذا لو كانت شؤون المساجد موكولة إليهم لا إلى وزارة الأوقاف؟ وماذا عن السياحة التي تفتح بيوت الملايين؟ ألا يعتبرون السياح في أدبياتهم كفرة فاسقين ينبغي طردهم من دار الإسلام؟ ماذا لو تساهلت الدولة مع عملاء العدل والإحسان الذين أرادوا اختراق أجهزة المخزن؟ ماذا لو وقع المخزن نفسهوهو ركن الدولة وأساسها المكين في أيديهم وتحت تأثيرهم؟
ألن نصبح تحت رحمة جهاز شمولي يشبه الحرس الثوري الإيراني يلاحق النساء السافرات في الشوارع ويعاقب على قصات شعور الشباب ولباسهم وينصب المشانق في الميادين العامة ويفصل بين الجنسين في المدارس والإدارات والفضاء العام؟، ألسنا مهددين فعلا بطوفان ثيوقراطي شمولي تحكمنا فيه الملالي العدلاوية والإخوانيةبنظم القرون الوسطى ومحاكم التفتيش؟ ألا تدركون أن القوم قد وصلوا قبة البرلمان وأن كل ما ترونه من اضطرابات وانفعالات وهجوم ممنهج على الدولة هو من صنيع هؤلاء وكيدهم بالليل والنهار سعيا لامتلاك السلطة امتلاكا تاما؟!!.
صحيح أن المريض بالسرطان لا يشعر به إلا في المراحل المتأخرة، وما نقوم به الآن هو نوع من التشخيص لنعرف أين بلغ فينا الداء. التجاهل لم يعد مقبولاوالتحالف مع هذه القوى جريمة أخلاقية وخيانة للوطن.
كفى تهارجا وتنظيرا فاسدا؛ كلنا يعلم أن حزب العدالة والتنمية لا يملك من الأطر والمؤهلات ما يدير به كشك سجائر.وأن السبب الوحيد لترأسهم الحكومة هو ديكتاتورية الأغلبية "المُخَونْجَة".وهم يقبعون اليوم على رأس الحكومة لا يفعلون شيئا سوى التصريحات الصحفية وإثارة الجدل واستنزاف الميزانية زهاء ثمانية أعوام على هذا النحو. مثل الصهر الذي يأكل ويشرب في بيت أبي ابنته فقط لأنه زوج الابنة فقط لأن الضمير الشعبي المؤدلج اختارهم ليشبعوا رغبة عاطفية بأن الإسلامويين يحكمون.
والواقع خير شاهد على الحال الذي آل إليه التعليم والصحة والفساد الإداري والمالي المستشري بين قيادات الحزب، نرى أثر فكرهم في المدن الكبرى التي يديرها مسؤولون من هذا التيار الانتهازي؛ لقد أعرضوا عمداعن توفير حافلات تليق بالعاصمة الاقتصادية، سنوات أصبحت فيها الدار البيضاء مثالا للأوساخ والقمامات التي تؤذيك مناظرها وروائحها وأنت تمشي بين الأزقة والدروب، لكن مع ذلك فإن الحديقة المعشوشبة التي يلعب فيها ابن كيران الكرة مع أقاربه تبدو غاية في النظافة بأشجارها الوارفة و"غازونها" الأخضر المحشوش بعناية.
لقد صدق أحدهم في الغربعندما قال إن العرب لم ينضجوا بعد لكي يكونوا أهلا للديموقراطية، وأول ما تتراخى عنهم قبضة السلطة ويختل نظام البلد حتى تخرج وحوش من كهوفها وتستل سيوف من أغمادها ويسود قانون الغاب والقوة.هؤلاء هم من يهتمون بقرينة البراءة لبوعشرين ويقوم خطيب جهنمي فَقِيهُ"معاصد" الإسلام السياسي والزندقة المتدثرة بلبوس الدين ليرمي المشتكيات بالتهمة.
هل رأيتم امرأة تغتصب رجلا إلا في عقل الريسوني، هل ينتصب لها رغما عنه؟ كيف..كيف؟!!، إن لم يكن في فانتازيات الرغبات السادية الجامحة عندما تكمم إحداهن فم عشيقها وتكبل يديه ورجليه وتمارس عليه الجنس وفِي يدها سوط تجلده به، إنني أبصق هذا النفاق الاجتماعي وأبصق تلك المقاصد.
عندما كتبت الباحثة فيش ساكتيفل في معهد واشنطنلسياسات الشرق الأدنى تقريرها عن جماعة العدل والإحسان عام 2014 وقدمته بين يدي صناع القرار الأمريكيين ليكون نصب أعينهم وهم يتخذون الإجراءات ويرسمون السياسات التي ينبغي أن تنتهجها الولايات المتحدة تجاه هذه الجماعة نصحتهم الباحثة التي قضت ثلاث سنوات في المغرب بألا يتدخلوا في علاقة الدولة بالجماعة الصفراء وأن يحذروا من أن يؤثروا على الشكل الذي تحتوي به الدولة هذه الجماعة الموبوءةالتي لا يمكن توقع ما ستتكشف عنه في المستقبل.
وتقترح الباحثة على الإدارة الأمريكية أن تشجع هذه الأخيرة وتدعم برامج الدولة في مجال المساعدات الاجتماعية خصوصا في الأوساط الحضرية والتجمعات الصفيحية المهمشة حيث تنشط جماعة العدل والإحسان والنهوض بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وتقول الباحثة إن شعبية وتأثير مثل هذه الحركات مرده الأول إلى نشاطها الاجتماعي أكثر من أن يكون إعجابابموقفهاالسياسي أو الأيديولوجي. والواقع أن هذه البؤر الشعبية التي تعرف تناميا للتيارات الإسلاموية تصبح مع الوقت مناطق خارجة عن القانون تقيم نظامها الاجتماعي بمنأى عن سلطة الدولة ويصبح المواطن العادي أسيرا للضغط النفسي والقيمي الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي في تلك الأوساط.
لقد بات واضحا لهم فداحة التوسط لهذه الجماعات وإضعاف الدولة لصالحها، كانت أحداث ما بعد 2011 كاشفة لوحشية وهمجية الإخوان المسلمين وعموم تنظيمات الإسلام السياسي التي سرعان ما أوغلت في العنف والدماءلتتسبب في مصرع مئات الآلاف من الأرواح في مجازر لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية. لقد قالها فؤاد عجمي يوما بأن الأنظمة في الشرق الأوسط أكثر انفتاحا وتعددية وتمدنا من البديل الشعبي الذي تقترحه الحركات الإسلاموية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.