محمد الراجي
يضُمّ بيْت الباحث عبد الوهاب سيبويه، بمدينة بوجدور، عشرات المخطوطات والوثائق القديمة، قادَه شغفُ البحث إلى رُكوب موجة المغامرة، على كثبان الصحراء، نحو دولة مالي، سنة 2013، لإنقاذها من أعمال التدمير والتخريب التي شنّتْها ضدّها الجماعات المتطرفة، وخاصة في منطقة تمبوكتو والمناطق المجاورة لها.
يعود تاريخ بعض المخطوطات التي جلَبها عبد الوهاب سيبويه من مالي إلى أزيد من 800 عام، ويقول سيبويه، الذي لقّبتْه قنوات ألمانية وفرنسية بـ"مُنقذ المخطوطات"، إنَّ المخطوطات التي أنقذها من بطش أعداء الإنسانية، والتي تتناول مختلف المواضيع، تضمّ بين دِفافها ما يُفنّد أكاذيب يتمّ الترويج لها حول قضية الوحدة الترابية للمغرب.
ويؤكّد الباحث الشغوف بجمع المخطوطات والوثائق النفيسة، الممتدِّ تاريخُها على مدى عقود وقرون من الزمن، أنَّ المخطوطات التي تضمُّها مكتبةُ بيْته في بوجدور تُفند "18 كِذبة" حول قضية الصحراء، حسب ما رَصده إلى حدّ الآن، يتمّ الترويج لها في من طرف الباحثين الأجانب، وخاصة في الجارة الشمالية للمملكة، إسبانيا.
بيْعة من قبائلِ الصحراء
فكرة جمع المخطوطات والوثائق النادرة التي يحُوزها عبد الوهاب سيبويه، بعد أن غامر وزجَّ بنفْسه في منطقة متوتّرة، جرّاء نشاط الجماعات المتطرفة، انبثقت من خبرٍ أوصله إليه أحد أبناء عمومته، مفاده أنّ الموروث الثقافي المخزّن في المكتبات العربية والإسلامية في مالي، وتحديدا في منطقة تمبوكتو والمناطق المجاورة لها، يتعرّض للنهب والتخريب.
ومنذ توصّل بهذا الخبر، شدّ سيبويه رحاله رفقة صديق له إلى حيث يوجد الموروث الثقافي المستهدف من طرف من يسمّيهم "أعداء الثقافة والفكر والإنسانية"، الذين كانوا يحرقون ويدمّرون المخطوطات والذخائر التي كانت تحتوي عليها تلك المنطقة، وغامر بحياته في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الموروث النفيس، فكان أنْ غَنِمَ من هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر 50 مخطوطا ووثيقة.
امتدّتْ رحلة عبد الوهاب سيبويه، المنتمي إلى أسرة صحراوية عريقة تمتدّ لقرون، ومعروفة بالعلم والأدب، إلى مَالي ثمانية أيام، ولم يخبْ مَسعاه، إذ عادَ منها بكنْز ثمين، عبارة عن مخطوطات ووثائق نادرة، مازالت في حالة جيّدة، رغم أنَّ بعضها يعود إلى أزيد من 800 سنة، فنالَ لقب "منقذ المخطوطات"، و"قناص المخطوطات"، من قنوات تلفزية أنجزتْ ربورتاجات حول المغامرة التي قادتْه إلى مالي.
بحماس كبير، يتلو عبد الوهاب سيبويه نصَّ وثيقة تعود إلى عام 1907، وهي عبارة عن بيْعة وقعها أعيان 32 قبيلة صحراوية، مثل التكنة، والرقيبات، والعروسيين، وفيلالة، وأولاد تدرارين، وتوبالت، وتجكانت، وأولاد بالسباع، والركيبات، وأيت الحسن، وأيت أوسى، وأيت موسى أوعلي... يبايعون فيها السلطان عبد الحفيظ.
ومن ضمْن المخطوطات التي تضمّها مكتبة عبد الوهاب سيبويه وثائقُ منها ظهائر وبيْعات للملوك العلويين، كالحسن الأول، ومولاي عبد العزيز، وعبد الرحمان بن هشام...ويسعى سيبويه إلى "الاستغلال الأمثل لهذه الوثائق في ما يتعلق بالشرعية التاريخية في المشكل المتعلق بالوحدة الترابية"، كما يقول، آملا أن يتمّ تسليط الضوء على هذه الوثائق من طرف من يعنيهم الأمر، من أجل تفنيد الأكاذيب التي يروّج لها الباحثون الأجانب حول قضية الصحراء.
ردّ على الفكر الوهابي
الكنز الذي غنمه عبد الوهاب سيبويه من رحلته إلى مالي يضمُّ مخطوطات في مجالات مختلفة، كالطبِّ والتصوّف والفقه.. وغيرها، ومن بين هذه المخطوطات مخطوط للعالم الصحراوي محمد يحضيه عبد الباقي، يعود إلى سنة 1053 هجرية، واستغرق في تأليفه 29 سنة، وخصّصه للردّ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وكتابُ يحضيه عبد الباقي رسالة ردّ دافع فيها عن أشياخ أهل التربية والتصوف بالمغرب الإسلامي، بعد أن بعث إليهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة سمّاها "رسالة المغرب الإسلامي". واستهلّ يحضيه عبد الباقي كتابه بالقول: "لما رأيت العالم العليم النحرير، فريد عصره ووحيد دهره، الشيخ محمد عبد الوهاب، وما ينبس به في حق أشيخ أهل التربية والتصوف...".
يقول عبد الوهاب سيبويه إنَّ منطقة الصحراء تضمّ مخزونا هائلا من المخطوطات النادرة، يمكن أن تشكّل ثلاثين في المائة من الموروث الثقافي المكتوب في المغرب الإسلامي، مضيفا: "نحن في بلاد الحضارة والمخطوطات، لأنَّ المغرب كان، بعد سقوط غرناطة، أكبر مستودع للمخطوطات".
ويحزُّ في نفْس عبد الوهاب سيبويه أنَّ بعض الأسَر العريقة في الصحراء تملك مخطوطات ووثائقَ نادرة، "لكنّها تفضّل أن تعطيها للأرَضَة لتأكلها على مهْل، بدَل أن تضعها رهن إشارة الباحثين"، ولأجْل هذا الغرض يعمل الباحث الشغوف بجمْع المخطوطات، إذ يضع رهْن إشارة الباحثين المتعطشين للعلم والمعرفة كلّ ما تحصَّل عليه من مخطوطات، من أجل تحقيقه وإعادة نشره، لتعُمَّ فائدته، بدَلَ ترْكه عُرضة لنهْب الأرَضة على الرفوف.
هسبريس