نقف أمام عنوانين من الدعوة إلى "تزيار السمطة". الأولى أطلقها روبيرطو فيكو، رئيس مجلس النواب الإيطالي في أول يوم من عمله، والثانية أطلقها سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة بعد سنة من ولايته. في أول يوم عمل له بشكل رسمي قرر الرئيس الجديد لمجلس النواب الإيطالي الاستغناء عن سيارة الدولة والتنازل عن التعويضات المادية المخصصة لرئيس المجلس"لاكاميرا"، والاكتفاء بالتعويضات التي تمنح له كبرلماني ومما صرح به للتلفزيون الرسمي الإيطالي "راي" قوله إن "زمن الامتيازات قد ولّى، علينا تقليص نفقات السياسة وعقلنة مصاريف لاكاميرا".
وبعد سنة من ولايته على رأس الحكومة المغربية طلب العثماني من الوزراء التحكم في كتلة الأجور وترشيد نفقات الماء والكهرباء والاتصالات ومصاريف التنقل، هذا دون الحديث عن البرلمان بغرفتيه، الذي يعشش فيه الريع، ويدافع رئيسه الاشتراكي الحبيب المالكي، عن تقاعد البرلمانيين وعن التعويضات الزائدة عن التعويض الرئيسي من قبيل بونات المازوت والمبيت في فنادق الرباط والسفريات وغيرها.
في وقت يدعو العثماني إلى "تزيار السمطة" من خلال تخفيض نفقات الماء والكهرباء وأشياء مضحكة، وفي وقت يدعو فيه رئيس مجلس النواب إلى الحكومة إلى ضخ خمسة ملايير درهم في تقاعد البرلمانيين، يخرج رئيس مجلس النواب الإيطالي بقرار التخلي عن مجموعة من الامتيازات بمحض إرادته، رغم أن القانون يسمح بها، لكن الفرق بينهم وبيننا أنهم هناك يتخلون عن الامتيازات طواعية وهنا يتمسكون بها ويسعون إلى المزيد منها.
الفرق بين هؤلاء وأولئك، أن الغربي يعتبر السياسة تطوعا و"جهادا" حقيقيا، ومن يريد الاغتناء يبتعد عن السياسة ويمارس التجارة والصناعة ويبدع الأفكار المدرة للدخل، ويتعب ويشقى من أجل من المال، لكن عندنا أصبحت السياسة هي الوسيلة الوحيدة للترقي الاجتماعي وتحقيق الاغتناء.
البرلمان ليس مكانا للريع لأنه هو ضمير الشعب وهو من يمثله. والغريب أن برلماننا لم يرفع مطلبا للدفاع عمن يمثل ولكن أصبح مثل نقابة يدافع عن منخرطيه. وللأسف الشديد أن النخبة المنتخبة التي كان عليها إعطاء النموذج للآخرين، اختارت أن تعطي نموذجا سيئا لحماية المال العام.
من برلمان التشريعات ومراقبة العمل الحكومي وصرف الميزانية العمومية حماية للمال العام، إلى برلمان الجمع بين التعويضات ولهف المال العام في بونات المازوت، التي يمكن صرفها في أشياء أخرى، والمبيت في الفنادق والمطالبة بالتقاعد بشكل استثنائي أي مباشرة بعد انتهاء الولاية.
السياسي الحقيقي هو من يحرص على حماية المال العام، وهو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يُصرف درهم واحد في غير محله، لأنه هو حارس المال العام وهو من يراقب عمل الحكومة، وعندما يكون في البرلمان فهو يتوفر على العديد من الآليات لمراقبة عمل الحكومة بل إسقاطها إن زاغت عن الطريق المستقيم.
لكن للأسف الشديد النموذج جاء من إيطاليا وليس من البرلمان المغربي، وأضاع الرئيس الاشتراكي الفرصة من أجل نموذج أخلاقي في السياسة، ولم نعد سوى أمام دعوى ل"تزيار السمطة" لكنها دعوى شعبوية.
صاحب المقال : Annahar almaghribiya