[إن من أكثر الناس أذًى لنا، هم الأشخاص الذين حكّمناهم في شؤوننا، وجعلناهم يتخوّضون في أموالنا، وأعطيناهم كل ثقتنا، لأنهم بمعرفتهم أسرارنا، واكتشافهم جُبْنَنا وضُعْفَنا، يستخدمونهما ضدنا يوم نختلف معهم] هكذا تحدَّث أحدُ المفكّرين؛ وهكذا تصرّف [العثماني] الضعيف، الذي صار علينا أسدًا، يتصرّف مثل [مروان بن الحكم] في أموالنا؛ يمنحها لمن لا يستحقها نكايةً فينا.. يعرقل الحوار الاجتماعي، ويغمز لأزلامه بشأن مآسي [جرادة]، وفتنة [الحسيمة]، ويضخّ (05) ملايير في تقاعُد البرلمانيين، الواقفين بأسلحتهم في تخوم صحرائنا، لردّ عدوان خصومنا.. البرلمانيون الذين يعملون ليل نهار، لتفكيك خلايا الإرهاب، ومحاربة الإجرام، والحفاظ على أمن البلاد والعباد.. البرلمانيون الذين يستيقظون في الهزيع الأخير من الليل، يطلبون وسيلة نقل نحو المكاتب، والإدارات، والمعامل، والمصانع، خوفا من التأخّر في الوصول إلى مقرّات العمل، وذلك لمدة [30 أو 40] من حياتهم.. البرلماني، صاحب الوطنية، والضمير المهني، وناكِر الذات، وهاجرُ الملذّات، المحافظ على أموال، ومصالح، وشرف الأمّة، وسُمْعتها بين الأمم، ورافعُ عاليًا لواءَ الحق، ومقاوِمُ الباطل، ومحاربُ التبذير، ومراقبُ المسؤولين عن التسيير، ولورعِه، وخشيته من الله، والشعب، والضمير، والتاريخ، حسبناه من زمرة المبشّرين بالجنة.. لهذه التضحيات الجسام، ضخّ [العثماني] المسلم الصادق، الذي كما قال (قلبُه يتقطّع على المعطّلين) يضخّ (05) ملايير لتقاعد النّواب، وهم في جبهات القتال، والنضال، والجهاد في سبيل (الله، الوطن، الملك) لمدة [30] أو [40] سنة كلها كدّ، وجدّ، وجهْد، حتى لإنهم يكادون يعادلون من ضحّوا بأرواحهم في سبيل هذا الوطن؛ فهنيئا لهم على ما سقوه للبلاد والعباد دون مقابل، لأن خير الجزاء، هو الجزاء من الله، فطوبى لهم!
والذي أثلج صدورنا، ورفع مقامهم في أعيننا، فباهيْنا بهم الأمم، هو عندما رفضوا جميعُهم (التقاعد)، وقالوا: كيف نقبض التقاعد، وأناسٌ يعانون في الروابي، والجبال، والنّجاد والوهاد من البرد القارس؛ وآخرون يئنّون من المرض، والجوع والفقر المدقع؟ كيف نستحق تقاعدا ما سنّه الله، ولا رسولُه، ولا خلفاء راشدون، ولا أقرّ به دينُ الحق، ولا قبله قانونٌ مصدره العدل؟ كيف تُضَخُّ لمصلحتنا (05) ملايير، ومدارس مترهّلة، ومستشفيات قاتلة، وأنْفُس بشهاداتها عاطلة، وأسعار ملتهبة، وطفولة في الشوارع تائهة، ونساء تأكل من لحمها يوميا، وبسبب الفقر، أجسادُها في أسواق الخسائر للمفترسات معروضة، وديون البلاد في ارتفاع، وصارت عند المؤسسات النقدية مرهونة؟ فنحن لم نَأْتِ من أحزاب فاسدة، والمؤسسات الفاسدة تنتج دائما خلقًا فاسدًا وما نحن البرلمانيين بفاسدين، وماذا يقول عنّا المعارضون، وأعداء الوطن في قنوات الخصوم، لو نحن قبلنا بتقاعد ليس من حقّنا، مخالف للدين، والمنطق والبديهة، وسائر القوانين، التي مصدرها الحكمة، والعقلانية؟ قلْ أكثر الله من أمثالكم؛ لقد ظننّا بكم سوءًا، وكنّا مخطئين، ثم نِعْمَ الرّجال، ونِعْمَ الوطنية!
أما بعد؛ فلقد كان من الضروري على (جمعية حماية المال العام) لو كانت فعلا تستحقّ شرفَ لقبِها، كان عليها أن تتقدّم إلى (المجلس العلمي الأعلى)، وإلى (المجلس الأعلى للقضاء)، وإلى (المجلس الدستوري)، وإلى (فقهاء القانون)، وإلى مثقّفي الأمّة بوثيقة تسألهم بموجبها عن أحقِّية البرلماني في التقاعد، وعن معقوليته دينًا، وقانونًا، ومنطقًا، وأخلاقًا، ثم تحال أوراقُ [العثماني] على النيابة العامة، مع سؤاله حول مع مَن استشار كما سبق لجلالة الملك نصره الله أن غضب ممّن يقرّرون دون استشارة أحد.. فهذه أموال الأمّة، ومبذّرو أموال الأمة، هم إخوان الشياطين، بنص صريح، ممّا يبيّن فظاعتَه، ونتائجه الوخيمة، وإثْمَ مَن أقدم عليه، متحدّيا حكْم الله، ورفْض الأمّة للمبذّرين، والمخرّبين، باسم السياسة الشيطانية اللّعينة، والتي مصدرها الحزبية الفاسدة وتعاليمها الكاسدة.. [العثماني] يشبه السلاطين العثمانيين في (فرماناتهم) الظالمة؛ فهو في عشرة أشهر يكدّس [100] مليون، فيما يُقتَطع من أجر من يتقاضى (جوج فرنك)؛ لكنْ يتقاضى كلّ هذه الأموال الطائلة مقابل ماذا؟ فحتى رؤساء دول لا يتقاضون هذا المبلغ المهول، مع العلم أن [العثماني] أبان عن ضعفه يوم كان وزيرًا للخارجية، فما بالُك به وهو رئيس حكومة إخوانية تعتبر الشعبَ قطيعًا، والوطن مجرّد حفنة من تراب عفن..
صاحب المقال : فارس محمد